تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأول: أنه نقل مراتب التعديل عند ابن أبي حاتم من موضع واحد من كتابه وهو خطبة الكتاب، وترك إيراد ما ذكره في الموضعين الآخرين، وهما في المجلد الأول الذي هو مقدمة لكتابه الجرح والتعديل، مع أن قول ابن أبي حاتم في المقدمة أكثر وضوحاً وتفصيلاً، خاصة فيما يتعلق بحديث الصدوق.

الثاني:

أن أبا عمرو بن الصلاح جعل ما نقله عن ابن أبي حاتم _ في خطبة كتابه الجرح والتعديل، في عدم الاحتجاج بحديث الصدوق ومن في حكمه _ هو قول أئمة هذا الشأن، بمعنى أنه قول الأئمة من المحدثين.

وكانت النتيجة أن من جاء بعد ابن الصلاح من المصنفين في علوم الحديث اعتمدوا _ غالباً _ على مقدمته، وتابعوه في الأغلب فيما ذهب إليه، ومن ذلك قوله في حكم الصدوق.

وأما الحافظ الذهبي فهو من أهل الاستقراء التام في معرفة الرجال، وله باع طويل في معرفة أحوال الرواة، وكذلك الحافظ ابن حجر فقد ظهر لهما من مناهج الأئمة المحدثين وطرائقهم في التوثيق والتجريح ما قد يكون خفي على غيرهما، لذا ذهبا مذهب جمهور الأئمة الحفاظ في الاحتجاج بمن كان من مرتبة الصدوق.

ولما وقف الحافظ عماد الدين ابن كثير على ما نقله ابن الصلاح عن ابن أبي حاتم ورآه خلاف ما كان عليه الأئمة الحفاظ من المتقدمين جعله اجتهاداً خاصاً بابن أبي حاتم، قال ابن كثير:

(وثم اصطلاحات لأشخاص ينبغي الوقوف عليها، ومن ذلك أن البخاري إذا قال في الرجل: سكتوا عنه أو فيه نظر فإنه يكون في أدنى المنازل وأردئها عنده. وقال ابن أبي حاتم: إذا قيل صدوق أو محله الصدق أو لابأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه).

خامساً: نتيجة هذا البحث:

خلاصة القول في هذه المسألة أنه إذا كان الحديث الصحيح يشترط في راويه أن يكون ثقة، وهو العدل الضابط، فإن الراوي العدل الذي خف ضبطه قليلاً عن ضبط الثقة وهو الصدوق ومن في حكمه في المرتبة التي تلي الصحيح، وهو الحسن لذاته.

ومن ادعى على الراوي الموصوف بأنه (صدوق) بالوهم في شيء من مروياته فعليه الدليل، لأن الغالب عليه من حيث الحفظ أنه ضابط لحديثه.

وما اختاره الشيخان _ أو أحدهما _ من أحاديث أهل هذه المرتبة وأخرجاه في الصحيح على جهة الاحتجاج به فذلك صحيح، ومشعر أنه تبين لهما أن الراوي حافظ لذلك الحديث ضابط له، وإخراج ذلك المروي في الكتاب المسمى بـ (الجامع الصحيح) معلم بذلك، ومؤيد بتلقي الأمة لكتابيهما بالقبول.

وإذا حكم أحد الأئمة الحفاظ كأحمد بن حنبل وعلي بن المديني والدارقطني على شيء من حديث راو (صدوق) بأنه صحيح فذلك محمول على أنه ثبت لديه بالطرائق المعتبرة أن ذلك الحديث صحيح، فالذي أراه أن الأصل اعتماد قوله ولا يترك حكمه إلا ببرهان معتبر.

ـ[ابن معين]ــــــــ[17 - 12 - 02, 04:35 م]ـ

سادساً: قولهم عن الراوي (صدوق له أوهام) أو (صدوق يهم).

من المعلوم أن الوهم جائز على الإنسان، ولا يقدح بالوهم اليسير في ضبط الراوي لأنه لا يسلم أحد من ذلك.

فإذا كان ما يقع في حديث الراوي من السهو والخطأ ليس كثيراً فإن ذلك لا يمنع من قبول خبره والاحتجاج بحديثه في قول جمهور الأئمة الحفاظ.

وإذا كثر الخطأ في حديث الراوي لكن لم يغلب على رواياته فإن جمهور الأئمة الحفاظ يحتجون بحديثه أيضاً، والمراد أنهم يحتجون بما تبين لهم أنه حفظه من حديثه ويجتنبون ما علموا أنه غلط فيه.

وأما من كان الغالب على حديثه الخطأ ولم يتهم بالكذب، وكان مرضياً في عدالته فهذا يكتب من حديثه في الفضائل، ومثله يتقوى حديثه بالمتابعات، ويرتقى إلى درجة الحسن لغيره.

وقد ينتقي بعض الجهابذة الحفاظ مثل البخاري ومسلم والترمذي بعض الأحاديث من مرويات هؤلاء فيخرجونها في الصحاح أو يحكمون بصحتها.

وهؤلاء الأئمة وأمثالهم لا يمكن رد قولهم في مثل هذه الأحوال إلا ببرهان معتبر.

وقد وردت صيغة (صدوق له أوهام) أو (صدوق يهم) في كلام الأئمة الحفاظ في عدد من التراجم، لكن استعمالهم لم يكن كثيراً، وإنما أكثر من استعمال هاتين الصيغتين الحافظ ابن حجر في كتابه (التقريب).

وقد تبين لي من خلال دراسة أحوال الرواة الذين وصفهم ابن حجر بذلك أن معظمهم محتج بحديثهم.

وقد سمعت فضيلة والدنا وشيخنا سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز _ حفظه الله ونفعنا بعلمه _ وقد سئل عمن قال عن ابن حجر: (صدوق له أوهام) أو (صدوق يهم) فذكر ما حاصله أن حديث هؤلاء محتج به.

أقول: لذلك فالظاهر لدي أن القيد في قوله (صدوق له أوهام) أو (صدوق يهم) قيد يستعمله ابن حجر في مواضيع كثيرة لبيان الواقع، وهو أنه ما من راو موثق إلا وله بعض الأوهام.

وقد يستفاد من وصف الراوي الصدوق بأنه (يهم) أن له أوهاماً متعددة، كما تشعر بذلك صيغة الفعل المضارع (يهم)، لكن هذه الأوهام ليست غالبة على حديثه وإلا لانحط الراوي إلى رتبة دون هذه مثل ضعيف أو سيء الحفظ.

والله أعلم.

تم البحث بحمد الله تعالى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير