فالإمام الذهبي ينقل عن جمهور العلماء وليس رأياً شخصياً خاصاً به. ثم يأتي أحد الناشئين ويتحدث عن تحسين الترمذي. وهذا يدل على أنه لم يقرأ كلام الذهبي أصلاً، لأن الذهبي يتحدث على التصحيح وليس التحسين. وإذا كان صاحبنا لا يدرك الفرق بينهما فسلام على العلم.
أما من ذكر تحسين البخاري فهو يظن أن تحسين البخاري هو التحسين الاصطلاحي عند ابن الصلاح. وهكذا صار البخاري يحكم عليه لأنه يخالف اصطلاحات المتأخرين، ولا تستغرب فنحن في زمن العجائب.
ثم يقول صاحبنا:
قلت: وهكذا يصبح كلام الحافظ الذهبي جهلاً! بل هذه المقولة تدل على أن صاحبها لم يفهم كلام الذهبي أصلاً. فإنه يخلط بين الوصف بالتساهل وبين الوصف بالغفلة والتناقض.
الغفلة هي التي يفعلها الحاكم: يجرح راوياً جرحاً مفسراً ويتهمه بالكذب ثم يصحح حديثه ويستدرك على الشيخين. لكن هذه غفلة وليست تساهلاً. التساهل يكون بمقارنة أحكامه على الرجال مع أحكام غيره. فإن كان الغالب عليه تضعيف الثقات، يكون متشدداً كما هي حال أبي حاتم الرازي والقطان. وإما أن يكون الغالب عليه توثيق من ضعفه غيره، فيكون متساهلاً كالعجلي.
ولعله يظن أن وصف الإمام بالتساهل هو طعن به. وهذا كذلك يدل على أنه لم يفهم المسألة من أصلها. فتساهل الناقد هو نسبي بالمقارنة مع غيره. وهذا يستفاد منه في الترجيح بين أقوال النقاد عند التعارض، وليس معنى ذلك أن نشطب على اسمه من لائحة "من يعتد بقوله في الجرح والتعديل". ولعله لم يقرأ ما كتبه الحافظ الذهبي في ذلك الكتاب. وآفة هذا العصر هي العجلة.
ثم يذهب ويقول: . وهذه عجيبة لا تحتاج لتعليق مني، فهو لا يميز بين المنهج في توثيق الرجال وبين المنهج في علل الحديث!
ثم يقول في آخر مقاله: . وكأنه لا يدري ما يخرج من رأسه. مع أن اختلاف مناهج المتقدمين في الحكم على الرجال معروف. فهذا الترمذي والفلاس والذهلي من أئمة العلل الكبار ولو أنهم متساهلون في الحكم على الرجال مقارنة مع أقرانهم. وقد سبق القول أن هذا ليس معناه إهدار أحكامهم. فهذا لم يقل به الذهبي أبداً ولا أحداً من علماء الأمة الكبار. وليس التساهل يعود لسوء الحفظ مثلاً. وكم رأينا من رجل يحفظ الكتب الكثيرة لكنه عاجز عن تصحيح حديث.
وقد بدأ مقاله بقوله . فانظر كيف يتكلم عن الإمام الذهبي الذي وصفه الحافظ ابن حجر والحافظ السخاوي والسبكي وغيرهم بأنه من أهل الاستقراء التام. يراه صاحبنا عجولاً قد بنى رأيه -الذي نقله عن جمهور العلماء- من بضع نماذج معينة. ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه فوقف عنده.
ـ[الغريب السني]ــــــــ[20 - 12 - 02, 09:48 م]ـ
الأخ محمد الأمين جزاك الله خيرا في تعقيبك على أخينا ابن تيمية
ولا أدري كيق وقع أبوتيمية في هذا! والعنوان واضح في السؤال
هل الذهبي مسبوق أم لا؟ والمعاصرون قلدوا الذهبي في هذا
والذي أظنه أن سؤالي إلى الآن لم يجد الإجابة
إلا ما نُقل عن ابن تيمية ولم يُوثق النقل، ومع ذلك فابن تيمية
معدود في زمرة المتأخرين، فهل من مجيب عن سؤالي؟
من هم العلماء الذين قال عنهم الذهبي أنهم لا يعتمدون تصحيح
الترمذي هل لي أن أظفر بواحد؟
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[20 - 12 - 02, 10:20 م]ـ
أخي الغريب بقول شيخ الإسلام ليس بصيغة قول الذهبي. لذلك كنت دقيقاً بقولي وابن تيمية كذلك وصف الترمذي بالتساهل. فكلام ابن تيمية كان على تساهل الحاكم ثم ذكر أنه فاق في تساهله الترمذي والدارقطني وابن حبان.
قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى (1\ 97): «إن أهل العلم متفقون على أن الحاكم فيه من التساهل والتسامح في باب التصحيح. حتى أن تصحيحه دون تصحيح الترمذي والدارقطني وأمثالهما (وهما من المتساهلين) بلا نزاع. فكيف بتصحيح البخاري ومسلم؟ بل تصحيحه دون تصحيح أبي بكر بن خزيمة وأبي حاتم بن حبان البستي وأمثالهما (وهما من أشد المتساهلين من المتقدمين). بل تصحيح الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في مُختارته، خيرٌ من تصحيح الحاكم. فكتابه في هذا الباب خيرٌ من كتاب الحاكم بلا ريب عند من يعرف الحديث. وتحسين الترمذي أحياناً (رغم تساهله الشديد) يكون مثل تصحيحه أو أرجح. وكثيراً ما يُصَحِّحِ الحاكمُ أحاديثَ يُجْزَمُ بأنها موضوعة لا أصل لها».
¥