تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن البدع المتوسطة النصب، وهو مناصبة العداء لعلي بن أبي طالب وبنيه، كشتمهم أو انتقاصهم أو بغضهم. وإجمالاً فإن النواصب كان معروفاً عنهم الصدق والتدين. قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (8\ 410): «فأكثر من يوصَفُ بالنّصْبِ يكون مشهوراً بصِدقِ اللهجة والتمسّك بأمور الديانة. بخلاف من يوصَفُ بالرّفضِ، فإن غالبهم كاذبٌ ولا يتورّع في الإخبار».

ومثال ذلك مثلاً العابد الزاهد مُرّة بن شراحيل الهمداني. وقد كان ناصبياً، لكنهم وثقوه وأخذوا حديثه (في غير بدعته). ففي تاريخ ابن معين (رواية الدوري) (4\ 30): «سمعت يحيى يقول: مرة بن شراحيل هو مرة الطيب. وإنما سُمِّيَ الطيّب لعبادته». وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب (10\ 80): «معروفٌ بمرة الطيب ومرة الخير. لُقِّب بذلك لعبادته». وقال: «سجد مرة الهمداني حتى أكل التراب وجهه». وقال عنه العجلي: «تابعي ثقة، وكان يصلي في اليوم والليلة خمسمئة ركعة». ونقل يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" (3\ 239): «عن عمرو بن مرة قال: سمعت مُرة ينتقص علياً، فقلت له: تقول هذا لرجل من أصحاب النبي؟ قال: ما ذنبي إن كان خيره سبقني وأدركني شره؟». ولا ريب أن النصب معصية كبيرة. ولكن قالوا: صدقه لنا، وبدعته عليه. والذي نشير إليه هو صحة ما ذكره ابن حجر بأن أكثر من يوصَفُ بالنّصْبِ يكون مشهوراً بصِدقِ اللهجة والتمسّك بأمور الديانة، بخلاف الروافض.

ثم الناصبة قسمين: الناصبة اعتقدوا أن علياً ? قتل عثمان ? أو كان أعان عليه أو أقر بذلك، وعثمان خيرٌ من علي بلا أدنى ريب. فكان بغضهم له، ديانة بزعمهم. وهذه الطائفة لم تلبث قليلاً إلا وانقرضت. ثم انضم إلى النواصب من قُتِلَ أقاربه في حروب علي. فالنصب من هؤلاء دنيويٌّ، لا يكون إلا بدافِعٍ سياسي وردة فِعلٍ لغلوِّ الشيعة. فهو موقِفٌ شخصيٌّ لا ينسحب على بقية صفات المسلم. أما الشيعة الصحابة وأهل السنة فهي تبغض تديناً وعقيدةَ، وينسحب ذلك على صدقهم ونقلهم. وبهذا شرح ابن حجر سبب كثرة الصدق في النواصب، وكثرة الكذب في الروافض.

قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (8\ 410): «عن مطر بن حمران، قال: كُنّا عند أبي لبيد (لمازة بن زبار). فقيل له: أتحب علياً؟ فقال: أحب علياً وقد قتل من قومي في غداة واحدة ستة آلاف؟!». فهذا شعور نفسي لا علاقة له بالدين. بعكس الشيعة فإن أصل عقيدتهم تضليل الصحابة. وهم يعترفون بأنهم أول من وضع الأحاديث الموضوعة وكذبوا على رسول الله ?. قال الحافظ أبو يعلى الخليلي في كتاب "الإرشاد": «وضعت الرافضة في فضائل علي ? وأهل البيت، نحو ثلاث مئة ألف حديث». قال ابن القيم في "المنار المنيف": «ولا تستبعد هذا. فإنك لو تتبعت ما عندهم من ذلك لوجدت الأمر كما قال».

واحتج خصومنا بما روى أحمد والبخاري ومسلم: عن قيس بن أبي حازم أن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي ? جِهاراً غيرَ سِرٍّ يقول: «إنّ آلَ أبي طالب ليسوا بأوليائي. إنما وليِّيَ اللهُ وصالحُ المؤمنين. ولكن لهُم رَحِمٌ أبُلُّهَا بِبَلاهَا» (يعني أَصِلُهَا بِصِلَتِهَا). قالوا: قيس بن أبي حازم الكوفي قد نسب إلى النّصب. فهذا دليلٌ على جواز الرواية عن النواصب فيما ينشر بدعتهم. قلنا: بل هو ثقة ثبت مخضرم بمرتبة الزهري كاد أن يكون صحابياً (كما قال الذهبي)، وما ثبت عنه النصب أبداً. إنما اتهمه بعض الكوفيين الشيعة بتلك التهمة بلا دليل، وقالوا أنه يُقدّم عثمان على علي (أي بخلاف مذهبهم في تفضيل علي). وقد روى عنه أثبات الكوفة هذا الحديث وغيره. وقد يكون هذا الحديث الذي جعلهم يتهموه بالنصب، وليس بدليل كما ترى. وهو ثبت أجمعوا على الاحتجاج به كما قال الذهبي. وليس في الحديث ما يقوي النصب كما أفاد ابن حجر في شرح الحديث، فسقطت حجتهم.

التشيّع

أكثر العلماء لا يرون رد الحديث لمجرد التشيع فيما لا ينصر تلك البدعة. والمقصود بالتشيع هو تفضيل علي على عثمان –رضي الله عنهما–. والغلو في التشيّع يكون بتفضيل علي على أبي بكر وعمر كذلك. وهذا ينطبق على الزيدية، أما الإثني عشرية فهم رافضة بدعتهم مغلّظة. وكان التشيع مذهب غالب أهل الكوفة، ثم انتشر إلى سائر العراق، ثم إلى كثير من البلدان الأخرى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير