تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومثال آخر على شيعي تركوه بعدما أظهر الغلو هو عباد بن يعقوب الرواجني الكوفي. وكان يشتم عثمان، و كان يقول: «الله أعدل من أن يدخل طلحة و الزبير الجنة، قاتلا علياً بعد أن بايعاه». قال ابن خزيمة في صحيحه (2\ 376): «حدّثنا عَبّاد بن يعقوب المُتّهم في رأيه الثقة في حديثه ... ». لكن رواية ابن خزيمة عن عَبّاد بن يعقوب هي في شيءٍ خارِجٍ عن بدعته التي يدعو إليها. عدا أنه رجع عن ذلك. قال الخطيب في الكفاية (1\ 131): «قد تَرَك ابن خزيمة –في آخر أمره– الرواية عن عباد. وهو أهْلٌ لأن لا يُروى عنه». أما أن البخاري قد روى عنه ففي الشواهد فقط، وربما خفي غلوّه على البخاري. قال ابن حجر في هدي الساري (ص412): «روى عنه البخاري في كتاب التوحيد حديثاً واحداً مقروناً، وهو حديث بن مسعود "أي العمل أفضل". وله عند البخاري طرقاً أخرى من رواية غيره».

وتعجّب الذهبي من روايتهم عن مثل هذا فقال في سير الأعلام (11\ 538): «وما أدري كيف تسمّحوا في الأخذ عمّن هذا حاله. وإنما وُثقوه بصدقه». وسُئِلَ الحافظ أبو بكر الصاغاني محمد بن إسحاق عن أحاديث لعباد بن يعقوب، فامتنع منها، ثم قال: «قد كنت أخذت عنه بشريطة. والآن فإني أرى إن لا أحدث عنه لغلوه». و قال ابن حبان: «كان رافضيّاً داعية».

مع أن عبّاد هذا زيدي وليس برافضي كما زعم ابن حبان. ولم يصل به الغلو للتعرض للشيخين بشيء. ورغم ذلك فقد نقل ابن عدي في "الكامل" (2\ 86) عن ابن معين قوله: «كلّ من شتم عثمانَ أو أحداً من أصحاب رسول الله ?: دجّالٌ محمودٌ ملعونٌ، لا يُكتَبُ حديثُهُ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».

وروى الخطيب في الكفاية (1\ 49) أنا أبا زُرعة الرازيّ قال: «إذا رأيتَ الرجلَ ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله ?، فاعلم أنه زنديق. وذلك أن الرسول ? عندنا حق، والقرآن حق. وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله ?. وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليُبطلوا الكتاب والسنة. والجّرحُ بهم أولى، وهم زنادقة».

وصدق أبو يوسف القاضي (صاحب أبي حنيفة) –إذ سُئِلَ عن شهادة من يسُبُّ السلف الصالح– فقال: «لو ثَبَتَ عِندي على رجُلٍ أنه يسبُّ جيرانه، ما قبِلتُ شهادته. فكيفَ بمن يسبّ أفاضل الأُمة؟!». وأخرج مسلم في صحيحه (1\ 16) عن علي بن شقيق قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: «دعوا حديث عمرو بن ثابت، فإنه كان يسبُّ السلف».

وقال حرملة بن يحيى: سمعت الشافعي يقول: «لَمْ أرَ أحداً من أهل الأهواء أشهد بالزُّور من الرافضة». وقال أشهب: سُئِلَ مالك عن الرافضة فقال: «لا تكلّمهم ولا تروِ عنهم، فإنهم يكذِبون». وقال يزيد بن هارون: «يُكتبُ عن كل صاحب بدعة –إذا لم يكن داعية–، إلا الرافضة فانهم يكذبون».

واعترضوا بما رواه الخطيب في الكفاية (1\ 126): قال أبو يوسف القاضي (صاحب أبي حنيفة): «أجيز شهادة أهل الأهواء –أهل الصدق منهم– إلا الخطابية (رافضة) والقدرية الذين يقولون إن الله لا يعلم الشيء حتى يكون». وقال الشافعي: «وتُقبَلُ شهادةُ أهلِ الأهواء إلا الخطابيّة من الرافضة الشهادة بالزور لموافقيهم». قلنا: هذا الكلام هو عن الشهادة القضائية، لا عن رواية الحديث. ومعلومٌ أن من كانت شهادته مردودة لسقوط عدالته، فهو ليس ثقة ولا يروى الحديث عنه. لكن العكس غير صحيح! فمن كان ضعيفاً لا يُكتب حديثه، فهذا لا يعني عدم قبول شهادته في المحكمة إن كان صادقاً.

واعترضوا بما أخرجه مسلم عن الأعمش (مدلّس) عن عديّ بن ثابت (قال الدراقطني: رافضيٌّ غالٍ) عن زر قال: قال علي بن أبي طالب ?: «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، إنّه لعهد النبي الأمّي إليّ أنّ لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق». وعدي بن ثابت رافضيٌ داعية من علماء الشيعة. وهو اعتراضٌ جيد لو اتفق الحفاظ على تصحيحه، لكنهم ما وافقوا مسلماً على تصحيح هذا الحديث، وقد انتقده الحافظ الدارقطني في "الإلزامات والتتبع" (#142). وقد بيّنا علل هذا الحديث في موضع آخر، وأطلنا في البحث جداً. وهو لا يصلح كاعتراض على ما أثبتناه من اتفاق السلف على النهي عن الرواية عن الشيعة الغلاة فيما يؤيد بدعتهم. والإمام مسلم يقر بذلك كما أوضح في مقدمته كما نقلناه قبل قليل. فإن أمر عدي بن ثابت قد يخفى عليه، إذا لم يصفه بالغلو كل من ترجم له. وحتى يستقيم لهم المثال لا بد أن يأتوا بإمام يصف راوياً بأنه شيعي غالٍ ثم يصحح حديثه فيما يؤيد بدعته. ودون ذلك خرط القتاد.

الاعتزال والتجهم

أما الاعتزال والتجهم وسائر البدع التي اختلف العلماء في تكفير أصحابها ورءوسها، فلا يجوز كتابة الحديث عنهم في أي حال. وناهيك أن مؤسس مذهب المعتزلة (عمرو بن عبيد) قد تركوا الحديث عنه وطعنوا في عدالته لخبث معتقده. قال نعيم بن حماد: قلت لابن المبارك: «لأي شيءٍ تركوا عَمْرَو بن عُبيد؟». قال: «إن عَمْراً كان يدعوا إلى القدر». وقال عنه ابن حجر في "التقريب": «اتهمه جماعة مع أنه كان عابداً». أما أتباع الجهم بن صفوان فأمرهم واضحٌ جداً. والله الموفق للصواب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير