ـ[ابن معين]ــــــــ[08 - 03 - 03, 12:24 م]ـ
المسألة الرابعة: رأيه في تفرد الثقة.
قال ابن حزم في الإحكام (1/ 131):
(فإذا روى العدل عن مثله كذلك خبرا حتى يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم فقد وجب الأخذ به، ولزمت طاعته والقطع به، سواء أرسله غيره، أو أوقفه سواه، أو رواه كذاب من الناس.
وسواء روي من طريق أخرى، أو لم يرو إلا من تلك الطريق، وسواء كان ناقله عبدا أو امرأة أو لم يكن، وإنما الشرط العدالة والتفقه فقط!
وإن العجب ليكثر من قوم من المدعين أنهم قائلون بخبر الواحد، ثم يعللون ما خالف مذاهبهم من الأحاديث الصحاح بأن يقولوا: هذا مما لم يروه إلا فلان، ولم يعرف له مخرج من غير هذا الطريق.
قال أبو محمد: وهذا جهل شديد، وسقوط مفرط .. الخ
فابن حزم رحمه الله يقبل تفرد الثقة مطلقاً، ولا يلتفت إلى تعليل الأئمة بالتفرد.
ومن أمثلة ما قبله ابن حزم مما تفرد به الثقة وقد أعله أئمة الحديث: ما رواه ضمرة بن سعيد عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ملك ذا رحم محرم عتق).
قال ابن حزم في المحلى (9/ 202): (فهذا خبر صحيح، كل رواته ثقات، تقوم به الحجة. وقد تعلل فيه الطوائف المذكورة بأن ضمرة انفرد به وأخطأ فيه، فقلنا: فكان ماذا إذا انفرد به؟! ومتى لحقتم بالمعتزلة في أن لا تقبلوا ما رواه الواحد عن الواحد!! .. ثم قال: فأما دعوى أنه أخطأ فيه فباطل، لأنها دعوى بلا برهان! .. ).
قلت: والقول بقبول تفرد الثقة مطلقاً ليس هو منهج أهل الحديث، لأن التفرد مظنة الخطأ، فمتى قوي هذا الظن بقرائن يعرفها أهل هذا العلم فإنه يردون تفرده.
وانظر بحث الشيخ الدكتور إبراهيم اللاحم في مجلة الحكمة (العدد24) فإنه قد أبان منهج أهل الحديث في تفرد الثقة بما يغني عن تكراره في هذا الموضع.
ـ[ابن معين]ــــــــ[08 - 03 - 03, 12:26 م]ـ
المسألة الخامسة: رأيه في تعارض الوصل والإرسال، والوقف والرفع.
قال ابن حزم في الإحكام (2/ 265):
(فصل: وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا: هذا حديث أسنده فلان، وأرسله فلان.
قال علي: وهذا لا معنى له! لأن فلاناً الذي أرسله لو لم يروه أصلاً، أو لم يسمعه البتة، ما كان ذلك مسقطاً لقبول ذلك الحديث، فكيف إذا رواه مرسلاً! وليس في إرسال المرسل ما أسنده غيره ولا في جهل الجاهل ما علمه غيره حجة مانعة من قبول ما أسنده العدول!).
وقال أيضاً (1/ 131):
(فإذا روى العدل عن مثله كذلك خبرا حتى يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم فقد وجب الأخذ به، ولزمت طاعته والقطع به، سواء أرسله غيره، أو أوقفه سواه .. ).
وابن حزم يرى تقديم ما وصله الثقة مطلقاً على من أرسله، سواء كان المرسل أوثق! أو كانوا أكثر!!
ومن أمثلة ما قدم فيه الوصل على الإرسال مما أعله أهل الحديث: ما رواه الفضل ابن موسى السيناني عن ابن جريج عن عطاء هو ابن أبي رباح عن عبد الله بن السائب قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد فصلى، ثم قال عليه السلام: (قد قضينا الصلاة، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب).
قال ابن حزم في المحلى (5/ 86): (إن قيل: إن محمد بن الصباح أرسله عن الفضل بن موسى؟
قلنا: نعم، فكان ماذا؟! المسند زائد علماً لم يكن عند المرسل، فكيف وخصومنا أكثرهم يقول إن المرسل والمسند سواء!).
قلت: والقول بتقديم ما وصله الثقة أو رفعه دائماً ليس هو منهج أئمة الحديث، بل عملهم ونظرهم هو على القرائن، كما تقدم بيان ذلك في زيادة الثقة.
يتبع
ـ[ابن المنذر]ــــــــ[08 - 03 - 03, 06:23 م]ـ
أخي الفاضل ابن معين:
للفائدة، فإن كتاباً جديداً صدر بعنوان:
(الجرح والتعديل عند ابن حزم الظاهري) للشيخ ناصر الفهد فك الله أسره.
فلعلك تستفيد منه غير مأمور.
ـ[ظافر آل سعد]ــــــــ[08 - 03 - 03, 09:21 م]ـ
لأبي صهيب الكرمي (حسان عبد المنان) دراسة عميقة محررة للصناعة الحديثية عند أبي محمد بن حزم , في مقدمة نشرته لكتاب ((حجة الوداع)).
ـ[ابن معين]ــــــــ[09 - 03 - 03, 02:02 م]ـ
بارك الله فيك أخي الفاضل (ابن المنذر) على هذه الفائدة.
وقد اطلعت على الكتاب، وفي بابه كتاب شيخي الدكتور إبراهيم الصبيحي (الرجال الذين تكلم فيهم ابن حزم جرحاً وتعديلاً في المحلى) وهو رسالته في الدكتوراة ولم تطبع.
ويمتاز كتاب الشيخ ناصر الفهد بجمع كلام ابن حزم من كتبه المطبوعة كلها، بينما يمتاز كتاب الدكتور إبراهيم الصبيحي بمقارنة كلام ابن حزم بكلام أئمة الجرح والتعديل.
أخي الفاضل: ظافر آل سعد جزاك الله خيراًٍ على هذه الفائدة.
وهناك كتاب مفرد في بيان منهج ابن حزم الحديثي وهو (المنهج الحديثي عند الإمام ابن حزم الأندلسي) لطه بن علي بوسريح، من منشورات دار ابن حزم لعام 1422هـ.
¥