قلت: حديثه ـ أي الدراوردي ـ في دواوين الإسلام الستَّه، لكن البخاري روى له مقروناً بشيخ آخر، ولفظة " لا يحتج به " لا أدري أين ذكرها، وأول ما يتبادر للذهن أنها في كتاب ابنه أبي محمد " الجرح والتعديل " وقد رجعتُ إليه وقلبت مظانه فلم أعثر عليها وإنما وجدت فيه: " عبدالعزيز محدث" و " ابن أبي حازم افقه من الدراوردي، والدراوردي أوسع حديثاً "
والمحدث هو من يشتغل بعلم الحديث رواية ودراية، ولا يخفى أن هذا القدر من الوصف غير كافٍ في تثبيت روايته، لكن عدم جرح أبي حاتم، إذا أُضيف إليه توثيق الجمهور وفي طلِيعتهم الإمام مسلم رحمه الله فإن ذلك يكفي للتوثيق.
ملاحظة: النقل عن أبي حاتم غير موجود ـ أيضاً ـ حتى في كتاب " العلل " بل لابنه.
قال أبو عبدالرحمن: وإليك بعض النماذج النقل فيها عن أبي حاتم مختلف:
· عبدالله بن حبيب بن أبي ثابت الأسدي الكوفي.
ترجم له ابن أبي حاتم " في الجرح والتعديل " ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وفي " ميزان الاعتدال " (2/ 406) عن أبي حاتم قوله:
" لا يحتج به ".
قلت: وهو ثقة، وثقه ابن معين وابن نمير والعجلي والطبراني والدارقطني وابن شاهين وابن حجر.
وقال النسائي:
" ليس به بأس ".
قال محقق " تهذيب الكمال " الدكتور بشار عواد (14/ 407):
" وزعم الذهبي في " الميزان " (2/ الترجمة 4263) أن أبا حاتم قال فيه: لا يحتج به. ولم يجد ذلك أصلاً في كلام أبي حاتم، والمعروف توثيقه عن إسحاق بن منصور عن ابن معين ".
· عبدالله بن عثمان بن خثيم القاري من القاره، أبو عثمان المكي، حليف بني زهرة.
في " الجرح والتعديل " (5/ 112):
" ما به بأس، صالح الحديث "
وفي " الميزان " (2/ 460):
" لا يحتج به ".
· عمار بن محمد الثوري، أبو اليقظان الكوفي.
قال أبو حاتم في " الجرح والتعديل " (6/ 393):
" ليس به بأس يكتب حديثه ".
وفي " الميزان " (3/ 168):
" لا يحتج به ".
قال أبو عبدالرحمن: وغيرهم الكثير فقد جمعتهم في ضميمة عندي.
ومع ذلك أقول أبو حاتم متعنت في الجرح كما وصفه الإمام الذهبي في " السير " فقال:
" إذا وثق أبو حاتم رجلاً فتمسك بقوله فإنه لا يوثق إلا رجلاً صحيح الحديث، وإذا لين رجلاً، أو قال فيه لا يحتج به فتوقف حتى ترى ما قال غيره فيه، فإن وثقه أحد فلا تَبْن على تجريح أبي حاتم فإنه متعنت في الرجال قد قال في طائفة من رجال الصحاح: ليس بحجة، ليس بقوي، أو نحو ذلك ".
قال أبو عبدالرحمن: مثال من تكلم فيهم وهم من الثقات:
1ـ بشير بن نهيك السدوسي
2ـ بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة
3ـ خالد بن مِهْران الحذاء
4ـ سُعَيْر بن الخِمس التميمي
وغيرهم الكثير
بعد هذا أقول: إن كان قول أبا حاتم في الدراوردي حجة فقوله فيمن ذكرناهم حجة، وإن لم يكن في ذلك حجة فليس قوله في الدراوردي حجة والحمد لله رب العالمين
فإن قال قائل: إن هؤلاء المذكورين قد وثقوا، قلت: وكذلك الدراوردي قد وثق وعلى رأس هؤلاء الموثقين مسلم
فائدة: وقع لديّ أكثر من (24) من الرواة الثقات الذين قال فيهم أبي حاتم رحمه الله: لا يحتج به.
3ـ كلام أبو زرعة الإمام رحمه الله لا يعني به جرحاً يسقط الراوي من أجله وبيان ذلك من وجوه:
أولها: قوله: " ربما " تفيد التقليل لا الديمومة وهذا يبين أن خطأه قليل ومن ثبتت عدالته وثقته فلا يسقط حديثه لمجرد أن أخطأ في أحاديث.
والثاني: أن الإمام أبا زرعة رحمه الله سئل عن فليح بن سليمان وهو الخزاعي وعبدالرحمن بن أبي الزناد وأبو أويس وهو عبدالله بن عبدالله والدراوردي وابن أبي حازم أيهم أحب إليك؟ قال الدراوردي وابن أبي حازم أحب إلي من هؤلاء كلهم.
قلت: فهؤلاء الثلاثة حديثهم حسن لاسيما إذا لم يخالفوا فقد قال الذهبي عن فليح بن سليمان الخزاعي في " تذكرة الحفاظ "
(1/ 224): وحديثه في رتبة الحسن.
وقال عنه الحافظ في " الفتح " (2/ 547):فحديثه من قبيل الحسن.
وأما عبدالرحمن بن أبي الزناد قال عنه صيرفي الرجال الذهبي في " الميزان " (2/ 576):
" قد مشاه جماعة وعدَّلوه، وكان من الحفاظ المكثرين، ولا سيما عن أبيه، وهشام بن عروة، حتى قال يحيى بن معين: هو أثبت الناس في هشام ... وقد روى له أرباب السنن الأربعة له، وهو إن شاء الله حسن الحال في الرواية "
¥