6ـ قول ابن حبان: " كان يخطىء "، ليس بجرح يرد به حديث الثقة، ولا يخفى على طالب العلم أن قوله: " كان يخطىء " ليس بمعنى " كثير الخطأ " فإن الأول معناه أنه يقع أحياناً في حديثه خطأ، والأخر معناه أن الغالب على حديث الخطأ، وهذا لا يحتج به بخلاف الأول فهو حجة عند عدم المخالفة، ولذا نجد ابن حبان نفسه أورده في ثقاته وأيضاً أخرج له في " صحيحه " وما أجمل ما قاله العلامة النقاد ذهبي العصر المعلمي اليماني رحمه الله في " التنكيل " (696):
"وليس من شرط الثقة أن لا يخطىء ولا يهم، فما من ثقة إلا وقد أخطأ، وإنما شرط الثقة أن يكون صدوقاً الغالب عليه الصواب فإذا كان كذلك، فما تبين أنه أخطأ فيه أطرح وقبل ما عداه ".
7ـ أما قول الإمام النقاد الساجي " ... إلا أنه كثير الوهم "
أقول: هذا لا يضره إلا إذا كثر الوهم، وكان الغالب على حديثه
. أما الوهم القليل فمن ذا سلم منه؟ أضف إلى ذلك أن المسألة اجتهادية وترجع إلى حال كل راوٍ على حده فقد يخطىء أحدهم في خمسين حديثاً ـ وهي كثيرة ـ ولا يضره، لأنه معه الآلاف من الأحاديث المستقيمة، وقد يخطىء أحدهم في حديث واحد فيضره؛ لأنه ليس معه إلا هذا الحديث.
قال الإمام ابن حبان رحمه الله تعالى في مقدمة " صحيحه " (1/ 153 ـ 154):
" إن الكثرة اسم يشتمل على معان شتى، ولا يستحق الإنسان ترك روايته حتى يكون منه الخطأ ما يغلب صوابه، فإذا فحش ذلك منه وغلب على صوابه، استحق مجانبة روايته، وأما من كثر خطؤه، ولم يغلب على صوابه، فهو مقبول الرواية فيما لم يخطىء فيه، واستحق مجانبة ما أخطأ فيه فقط ".
قال أبو عبدالرحمن: والدراوردي من الرّواة المكثرين جداً.
أما بخصوص الحافظ ابن حجر فقد استقرأت كتبه فوجدته يصحح رواية الدراوردي مرة، ومرة يحسن له بل وجدت له تصحيح لرواية الدراوردي عن عبيدالله العمري. قال الحافظ في " الفتح " (3/ 578): صدوق. وقال في " نتائج الأفكار " (1/ 301): ثقة.
وقال الحافظ البوصيري في " مصباح الزجاجة " (1/ 371 و 3/ 112): ثقة.
بعد هذا أقول فقد وثق الدراوردي كل من: مالك إمام دار الهجرة، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، والعجلي،
وابن سعد، ويعقوب بن سفيان البسوي، وابن حبان، وابن شاهين، وابن حزم، والجورقاني، وابن القطان في" أحكام النظر "، وقال ابن رجب في " شرح علل الترمذي " (323):
أحد علماء المدينة وثقاتهم.
وأخرج له إمام الأئمة ابن خزيمة في " صحيحه " وقد اشتهر هذا الكتاب على ألسنة العلماء والمحدثين باسم " صحيح ابن خزيمة " وكذلك في كتابه العظيم " التوحيد " وقد اشترط في
" المقدمة " أن لا يحتج فيه إلا بما صح وثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم بالأسانيد الثابتة الصحيحة، بنقل أهل العدالة موصولاً إليه صلى الله عليه وسلم.
وقد صحح حديثه الإمام الترمذي والحاكم والمنذري وغيرهم
قلت: ولا ريب أن التصحيح يستلزم التوثيق كما هو ظاهر.
والعجيب أن يعقوب بن سفيان الفسوي قد أورد كلام الإمام أحمد في الدراوردي ومع ذلك وثقه وصحح روايته بل عن عبيدالله خاصة وهو من المتقدمين
والكلام في الدراوردي يطول ويطول وخلاصة القول: أنه ليس من شرط الثقة أن يكون معصوماً من الخطأ، بل لا يوجد ثقة إلا وأخطأ؛ لأن الخطأ لا ينفك عنه البشر، قال الإمام الثبت يحيى بن معين ـ رحمه الله تعالى ـ:
" لست أعجب ممن يُحدِّث فيخطىء، وإنما أعجب ممن يُحدِّث فيصيب " قلت: وخطأ الثقة في بعض رواياته لا يكون ذلك جرحاً مستقراً ولا يرد به حديثه، فتنبه.
قال أبو عبدالرحمن: أما ما نقلته عن شيخنا الألباني رحمه الله من ترجيحه لرواية الوقف على الرفع وتعصيب الجناية بالدراوردي فهذا أمر طبيعي يقع مثله لكبار الحفاظ وتخطئة الدراوردي هي من باب غلبة الظن وإلا من الممكن أن يكون الخطأ من غيره وإن كان أوثق منه ولهذا نجد الدارقطني رجح الوقف ولم يتهم في ذلك الدراوردي وكذا الزيلعي. وأنا قمت بجمع رواية الدراوردي عن عبيدالله من خلال الكتب المطبوعة والمخطوطة فبلغت عندي أكثر من الثلاثين رواية وجلها مستقيمة بعرضها على رواية الثقات وما تفرد به الدراوردي فليس بمنكر لا سيما مع خلو المتن من النكارة، والقليل في روايته عن عبيدالله فيه ضعف وليس منه إنما ممن دونه ـ أي الطريق إلى
¥