للإمام الذهبي تجده يذكر ما قيل في الراوي من جرح و تعديل ومع ذلك يوثقه أو يرمز إليه ب "صح " الدالة على صحة حديثه، ومعنى هذا أنه لم يرى ما قيل في الراوي من جرح مخرج له من دائرة التوثيق، وقس على ذلك ما في كتبه الأخرى بل ألف كتاب أطلق عليه اسم " من تكلم فيه وهو موثق "، وهذا ما يفعله الحافظ في " التقريب " فيطلق على الراوي (ثقة) وعندما تذهب إلى أصل التقريب وهو " تهذيب التهذيب " تجد الراوي متكلم فيه وهذا يعني أنه لم يرى ما قيل في الراوي من جرح مخرج له من دائرة التوثيق، وكذلك يفعل في " مقدمة هدي الساري " عندما تعرض لمن تكلم فيه من رجال صحيح البخاري.
زد على ذلك أخي الفاضل ذكرت لك أن ابن حبان قال فيه:
: وكان يخطىء "، ومع ذلك يورده في " صحيحه ".
ويقوي أمره أن أصحاب الصحاح غير البخاري أخرجوا له في كتبهم مثل ابن خزيمة، وأبو عوانة، وابن حبان، والحاكم،وضياء الدين المقدسي وغيرهم، وجل أهل العلم يحتجون بروايته إلا النزر اليسير من المعاصرين فيطعنون في روايته عن عبيدالله خاصة.
2ـ أبو طالب لم أقل نرد روايته وإنما قلت: فينبغي أخذ الحيطة والحذر فيما ينقله لا سيما عند المخالفة ...
أما أنه ليس من حد الثقة ألا يخطىء هذا ما قصدته من تعقبي ودندنت حوله.
أما تفرده ليس يدل على المخالفة لغيره. أقول: هذا يعني أن تفرد الثقة أو الصدوق في حد ذاته ليس بعلة إلا إذا صاحب ذلك قرينة تدل على خطئه ووهمه كوجود نكارة في المتن وغيره، وهذا ما ندندن حوله في هذا الملتقى الطيب المبارك.
3ـ من أخرج له مسلم في " صحيحه " فهو ثقة عنده. لهذا نجد العلماء يقولون: احتجاج مسلم له في " صحيحه " توثيقاً له.
إذن من احتج به مسلم فهذا لازمه أنه ثقة عنده. لذا نجد الذين ترجموا للدراوردي كالحاكم والمزي والذهبي والعسقلاني وغيرهم؛ أطلقوا عزوه لمسلم، ولم يقولوا: " في الشواهد" بينما نجد الحاكم عند عزوه شريك النخعي لمسلم قيده فقال:
" في الشواهد ".
ولا يخفى أن رجال مسلم متفاوتون في الضبط، بل الثقات عموماَ متفاوتون، فليس الدراوردي في الحفظ والضبط كمالك ومع ذلك قال عنه الإمام أحمد: وكان مالكٌ من أثبت الناس، وقد كان يخطىء ".
وخلاصة القول في الدراوردي أنه في نفسه ثقة والأصل في مثله أن يحتج بحديثه إلا ما ثبت وهمه فيه فيرد.
أما إذا تفرد ولم يشاركه في ما روى أحد فكيف تعرف حينئذ أنه خالف فترفض روايته؟ ومن المعلوم بداهة أن ضبط الراوي وحفظه لا يعرف ذلك منه إلا بعرضه على أحاديث الثقات، فما وافقها من حديثه، قبل، وما عارضه وخالفه ترك، وأنت أخي الكريم تتبعت أكثر أحاديثه في مسلم ـ وهي كثيرة ـ ووجدته يوافق غيره من الثقات فهذا يدل على ضبطه وحفظه وما تفرد به فقل كما قلت في حق أبي طالب من الدلالة على جودة حفظه وتفرده لا يدل من قريب ولا بعيد على خطئه؛ بل يدل على حفظه.
أما كون أحاديثه التي اطلعنا عليها هي من كتابه أو من حفظه فليس عندنا ما يدل على أحد الأمرين؛ بل ليس عندنا أن الأحاديث التي أخرجها له مسلم وغيره من أصحاب الصحاح أنها من كتابه ورأينا من صحح له من الحفاظ لم ينصوا على أن هذه الأحاديث من كتابه فترجح لدينا حينئذ أن نقبل حديثه حتى يتبين لنا خطأه وذلك بمخالفته لمن هو أوثق منه، وهذا السبيل أولى من التوقف في روايته حتى يتابع أو نجد ما يشهد لروايته فنقول حينئذ هذا مما حدث به من كتابه
صحيح في حفظه ضعف يسير لكن نحنُ ما تبين لنا خطأه في هذا الحديث أو ذاك ..
ولهذا نحن معك ـ بارك الله فيك ـ عندما قلت: فلا غرابة في رد حديثه عند المخالفة ...
4ـ قولك: " ربما يعلون الحديث بالتفرد إذا كان منكراً عندهم " أقول: ربما تفيد التقليل ونحن لا نخالفك في هذا إذا وجدت النكارة إنما ننكر على من يضعف الحديث بحجة التفرد دونما حجة أو برهان كقرينة تدل على خطئه أو وجود نكارة في المتن.
¥