قلت: وكونه روى مناكير ليس بجرح مطلقاً، قال الحافظ أبوزرعة العراقي في " البيان والتوضيح " (ص66) في ترجمة بريد بن عبدالله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري بعد ذكر قول الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ فيه يروي المناكير: " قلت: وأما قول أحمد فلا يقدح؛ لأن رواية المناكير لا تقدح في الثقة ".
· وإما أرادوا بذلك تضعيف رواية الدراوردي عن عبيدالله خاصة.
قلت: وهذا معارض بتوثيق الجمهور للدراوردي مطلقاً، زد على ذلك من صحح روايته عن عبيدالله خاصة كيعقوب ابن سفيان، والترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان والحاكم، وابن حزم، وضياء الدين المقدسي، والبوصيري، وابن حجر وغيرهم.
قال أبو عبدالرحمن: والعجيب أن البسوي ذكر كلام الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في الدراوردي: " إذا حدث من كتابه فهو صحيح، وإذا حدث من كتب الناس وهم، كان يقرأ من كتبهم فيخطىء وربما قلب حديث عبدالله بن عمر يرويه عن عبيدالله بن عمر "، ومع هذا صحح رواية الدراوردي عن عبيدالله فكأنه بهذا لم يرى قول أحمد الإمام كافٍ في سقوط رواية الدراوردي، لأن الإمام مالك ـ رحمه الله ـ وثقه وهو أعلم بأهل المدينة من غيره.
أقول: لاحظ كلمة الإمام أحمد: " ربما " تفيد التقليل لا الديمومة، ومن ثبتت عدالته، فلا يسقط حديثه لمجرد أن أخطأ في أحاديث.
والدراوردي من رجال صحيح الإمام مسلم روى له في الأصول وليس في المتابعات.
قال الذهبي: إذا اعتمد الشيخان على الراوي في الأصول فإنه يحتج به. ميزان الاعتدال (1/ 209).
قال ابن دقيق العيد: وكان شيخ شيوخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل يخرَّج ُ عنه في الصحيح: هذا جاز القنطرة.
يعني بذلك: أنه لا يُلتفت إلى ما قيل فيه.وهكذا يعتقد، وبه نقول ُ، ولا نخرج ُ عنه إلا ببيانٍ شافٍ وحجَّة ظاهرة، تزيد في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه، من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين. الاقتراح (55).
وأقره الحافظ ابن حجر في " هدي الساري " (403) وقال:
" فلا يقبل الطعن في أحد منهم إلا بقادحٍ واضحٍ؛لان أسباب الجرح مختلفة ".
قلت: وبه نقول، وله نعتقد؛ فلا يزحزح الثقة عن منزلته إلا ببرهان واضح، ودليل لائح.
والدراوردي ممن أحتج به مسلم في " صحيحه " فلازمه أنه ثقة عنده.
فإن قال قائل: مسلم انتقى له جيد حديثه، فلازمه أن روايته خارج " الصحيح " فيها نظر
فجوابي حينئذ أن يقال: ما هو الدليل على ما تقول من كون الإمام مسلم أنتقى جيد حديثه؟! وأين النقل عنه فيما تنسبه إليه.
والحقيقة لا يوجد شيئاً من ذلك، وإن وجد فهو خاص فيمن تكلم فيه بعينه لا ينبغي أن يعمم على كل رواة الصحيح الذين مسهم ضرب من التجريح.
فإن قال قائل: لا يوجد في كتاب الدراوردي عن عبيدالله إلا حديثاً واحد وأنه لم يسمع منه غيره.
فيجاب عن ذلك بأن يقال: هذا القيد " كتاب " يدفع القدح فإنه لا يلزم من عدم كون الحديث عند الدراوردي في كتابه أن لا يكون عنده في حفظه والجمهور على توثيقه مطلقاً سواء حدث من كتابه أو من حفظه مع وجود ضعف يسير في حفظه لا يضر إلا إذا تبين خطؤه، شأن كل ثقة موصوف بأنه قد يخطىء.
قال ذهبي العصر المعلمي اليماني متعقباً الكوثري عندما نقل كلام الإمام الدارقطني في أحمد كامل " ... ربما حدث من حفظه بما ليس عنده في كتابه ": لا تنفي أن يكون عنده في حفظه، بل قد تثبت ذلك بمقتضى دليل الخطاب، وبذلك ثبت أنه لا قدح، غاية الأمر أن الدارقطني رأى أنه كان الأحوط لأحمد بن كامل أن لا يحدث بما ليس في كتابه وإن كان يحفظه، وترك الرواية للأحوط لا يقدح فيه، بل إذا خاف أن يكون تركه رواية ما حفظه ولم يثبته في كتابه الأصل كتماناً للعلم وتعريضاً للضياع عليه أن يروايه.
(التنكيل: 363).
أما أنه لم يسمع إلا حديثاً واحداً، بل صرح في أكثر من رواية بقوله: حدثنا عبيدالله بن عمر ..
والمثبت مقدم على النافي؛ لأن معه زيادة علم ليست مع النافي ..
ورواية الدراوردي عن عبيدالله ليست قليلة بل تجمعت لديّ حتى كتابة هذا السطور (30) رواية وجلها مستقيمة وأكثرها متابع عليها، والبعض لها شواهد في الصحيح وغيرالصحيح، والبعض ضعيف، والضعف ليس من الدراوردي وإنما من غيره.
¥