المكتبة العربية بعشرات الآلاف من كتب تناولت كل شعب المعارف الإنسانية في حضارة المسلمين من ناس المئتين الثامنة والتاسعة، اضطلع بذلك مفسرون، وحفاظ، ومحدثون، وقراء، وفقهاء، ولغويون، ونحاة، ومؤرخون، وجغرافيون، ورياضيون، وعلماء في العلوم التطبيقية من هندسة وهيئة، وطب، وفلك، وما إلى ذلك من هذه الفنون.
وثمة ظاهرة في هذين القرنين وهي تنامي الاتجاهات المعرفية الموسوعية عند كثير ممن نبغ في تلك الحقبة من الزمان، رأينا كوكبة غفيرة منهم في المئة الثامنة، كان من أعلامها: النويري شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب المتوفى سنة 733هـ (2)، العالم البحاثة الغزير العلم، صاحب كتاب (نهاية الأرب في فنون الأدب)، وهو أشبه بدائرة معارف لما وصل إليه العلم عند العرب في عصره.
والسبكي، تقي الدين علي بن عبد الكافي بن علي الأنصاري، المتوفى سنة 756هـ (3)، أحد الحفاظ المناظرين، صاحب التصانيف الكثيرة المتعددة الفنون.
والصفدي صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله المتوفى سنة: 764، (4)، صاحب المؤلفات الكبيرة الحفيلة المتنوعة الفنون.
وبعدهم العلامة ابن خلدون ولي الدين عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي الإشبيلي الذي عاش معظم عمره في المئة الثامنة وتوفي سنة: 808هـ (5)، وترك للمكتبة العربية موسوعته التاريخية بمقدمتها الجليلة.
واستمرت ظاهرة الاتجاهات المعرفية الموسوعية تنداح اتساعاً في المئة التاسعة، وتنافس من نبغ فيها من العلماء، في الإحاطة بفنون العلوم والمعارف، ونبه من هؤلاء طبقة عالية، جلَّى فيها القلقشندي شهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد المصري المتوفى سنة: 821هـ (6)، وهو الأديب المؤرخ البحاثة صاحب موسوعة (صبح الأعشى في كتابة الإنشا).
ثم جاراه في الحلبة بل تقدم عليه المقريزي تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المتوفى سنة: 845هـ (7)، وهو المؤرخ المتعدد المواهب الموسوعي المعارف صاحب (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار)، و (السلوك في معرفة دول الملوك)، وغيرهما من المصنفات الكثيرة في فنون متنوعة.
وتلاه الحافظ ابن حجر شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني المتوفى سنة: 852هـ (8)، وهو من أئمة العلم والتاريخ والأدب والشعر، وناهزت مصنفاته التي وضعها في فنون مختلفة (132)، اثنين وثلاثين ومئة كتاب.
وابن عربشاه شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الله الدمشقي المتوفى سنة: 854هـ (9)، المؤرخ الرحالة الأديب المتقن للغات العربية والفارسية والتركية، وصاحب التصانيف الكثيرة.
وابن تغري بردي جمال الدين يوسف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري المصري المتوفى سنة: 874هـ (10). وهو المؤرخ البحاثة الأديب صاحب كتاب (النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة)، و (المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي)، وغيرهما من الكتب الحافلة الضخام في فنون شتى.
والكافيجي، محيي الدين محمد بن سليمان بن سعد الرومي المصري، المتوفى سنة: 879هـ (11)، شيخ جلال الدين السيوطي، ومن كبار العلماء بالمعقولات والنحو، ومن المؤرخين وصاحب التصانيف المتنوعة الفنون.
والنكشاري محيي الدين محمد بن إبراهيم بن حسن، الرومي الحنفي المتوفى سنة: 901هـ (12). الإمام العالم بالعلوم الشرعية والعقلية والعربية والماهر في علوم الرياضيات، ونحوها من معارف أهل عصره.
والسخاوي شمس الدين محمد بن عبد ا لرحمن بن محمد المصري المتوفى سنة: 902هـ، رصيف الجلال السيوطي، الحافظ الحجة، المؤرخ، الأديب، المحدث، المفسر، صاحب التصانيف الكثيرة التي من أشهرها كتابه الحفيل (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع)، وغيره من الكتب المتنوعة الفنون.
ولطفي التوقاتي لطف الله بن حسن الرومي المتوفى سنة: 904هـ (14)، وهو المؤلف الموسوعي صاحب كتاب (المطالب الإلهية)، وكتاب (مراتب الموجودات) وغيرهما من المؤلفات الموسوعية.
وغير من ذكرنا كثيرون يأتون طبقة ثانية في هذا الفن الموسوعي.
¥