فسلوك السيوطي في المزيد من الترفع والتعاظم التمس فيه السخاوي مسوغاً للغلو في اتهاماته بل في الحط عليه، حتى بلغ في ذلك مبلغ إشاعة الارتياب بصدق أقواله عن قراءته، وأخذه، وسماعه، وإجازاته من حفاظ العصر وشيوخه، يقول السخاوي:
"هو كثير المجازفة، جاءني مرة وزعم أنه قرأ (مسند الشافعي)، على القمصي في يوم، فلم يلبث أن جاء القمصي وأخبرني متبرعاً بما تضمن كذبه ... وقال لي البدر قاضي الحنابلة: لم أره يقرأ على شيخي في (جمع الجوامع) مع شدة حرصي على ملازمته. نعم كان يقرأ عليه فيه خير الدين الريشي النقيب، فقلت: فلعله كان يحضر معه، فقال: لم أر ذلك".
ويقول في موضع آخر:
"وأخذ عن كل من السيف، والشمني، والكافياجي، شيئاً من فنون، وفيما زعم عن الشهاب الشارمساحي بعض شرحه لمجموع الكلائي".
والسيوطي إذا أخذ، أو سمع، أو قرأ فهو قليل الصبر والإمعان في ذلك كله، يقول السخاوي:
"ولم يمعن الطلب في كل ما أشرت إليه".
ويقول السخاوي عن الرحلة المكية للسيوطي:
"ثم إلى مكة من البحر في ربيع الآخر سنة تسع وستين، فأخذ قليلاً من المحيوي".
أما تصدر الجلال للتدريس، وجلوسه مجالس الشيوخ للإملاء والإسماع فاتهمه السخاوي بأن ذلك لم يتأت عن جدارته وأهليته، بل كان التماساً ممن يبلغه ذلك من ذويالفضل والجاه من الشيوخ والأعيان، وسلوكه طريقاً غير سوية إلى ذلك، يقول السخاوي:
"ودرَّسَ جمعاً من العوام بجامع ابن طولون، بل صار يملي على بعضهم مما يحسن شيئاً بحيث كان ذلك وسيلة لمساعدة وصية شهاب الدين ابن الطباخ، حيث رباه عند برسباي أستاذ دار الصحبة، فلزم اينال الأشقر رأس نوبة النوب حتى قرره في تدريس الحديث بالشيخونية، بعد وفاة الفخر عثمان المقسي مع تركه ولداً. وكذا استقر في الاسماع بها، وليس بموافق شرط الواقف فيهما، وفي مشيخة التصوف بتربة برقوق نائب الشام التي بباب القرافة بعناية بلديِّهِ أبي الطيب السيوطي".
وقال أيضاً:
"وساعده العلم البلقيني حتى باشر تصدير الفقه بالجامع الشيخوني".
وفي موضع آخر يقول السخاوي:
"وقد ساعده الخليفة حتى استقر في مشيخة البيبرسية بعد الجلال البكري، وخمد من ثم بل جمد".
ويمضي السخاوي قائلاً:
"ثم انجمع وتمشيخ وخاض في فنون خصوصاً هذا الشأن". "كل هذا مع أنه لم يصل ولا كاد، ولذا قيل: إنه تزبب قبل أن يتحصرم".
****
وأمر آخر على جانب كبير من الخطر والأهمية رماه به السخاوي، ذلك هو اختلاسه شيئاً من تصانيفه، وسطوه على كثير من كتب من تقدمه من العلماء، ومسخه المختلس أو المسطو عليه وإفساده، يقول السخاوي:
"واختلس حين كان يتردد إلي مما عملته كثيراً، (كالخصال الموجبة للضلال)، و (الأسماء النبوية)، و (الصلاة على النبي ?). و (موت الأبناء)، وما لا أحصره؛ بل أخذ من كتب المحمودية (27)، وغيرها كثيراً من التصانيف المتقدمة التي لا عهد لكثير من العصريين بها في فنون، فغير فيها يسيراً، وقدَّم وأخر، ونسبها لنفسه، وهول في مقدماتها بما يتوهم منه الجاهل شيئاً مما لا يوفي ببعضه. وأول ما أبرز جزء له في تحريم المنطق جرده من مصنف لابن تيمية، واستعان بي في أكثره، فقام عليه الفضلاء بحيث كفه العلم البلقيني عنه وأخذ ماكان استكتبه به في المسألة، ولولا تلطفي بالجماعة كالأبناسي وابن الفالاتي وابن قاسم لكان ما لاخير فيه".
وقال في موضع آخر:
"وذكر أن تصانيفه زادت على ثلاثمئة كتاب، رأيت منها ماهو في ورقة، وأما ماهو دون كراسة فكثير، وسمى منها (شرح الشاطبية)، و (ألفية في القراءات العشر)، مع اعترافه بأنه لا شيخ له فيها.
وفيها مما اختلسه من تصانيف شيخنا (28): (لباب النقول في أسباب النزول)، (عين الإصابة في معرفة الصحابة)، (النكت البديعات على الموضوعات)، (المدرج إلى المدرج)، (تذكرة المؤتسي بمن حدث ونسي)، (تحفة النابه بتلخيص المتشابه)، (ما رواه الواعون في أخبار الطاعون)، (الأساس في مناقب بني العباس)، (جزء في أسماء المدلسين)، (كشف النقاب عن الألقاب)، (نشر العبير في تخريج أحاديث الشرح الكبير).
كل هذه تصانيف شيخنا, وليته إذا اختلس لم يمسخها، ولو نسخها على وجهها لكان أنفع".
وقال أيضاً:
¥