وقد ورد المتأخرون هذا التضعيف لوثاقة ضمرة عندهم، وأن تفرد الثقة لا يضر، وأن زيادة مقبولة مطلقاً، فقال ابن حزم: "هذا خبر صحيح كل رواته ثقات تقوم به الحجة، وقد تعلل فيه الطوائف المذكورة بأن ضمرة أنفرد به وأخطأ فيه، فقلنا: فكان ماذا إذا انفرد به .. وأما دعوى أنه أخطأ فيه فباطل لأنها دعوى بلا برهان" ().وقال ابن التركماني: "ليس انفراد ضمرة به دليلاً على أنه غير محفوظ ولا يوجد ذلك علة فيه، لأنه من الثقات المأمونين، ولم يكن بالشام رجل يشبهه، كذا قال ابن حنبل، وقال ابن سعد: كان ثقة مأموناً لم يكن بالشام رجل يشبه، كذا قال ابن حنبل، وقال ابن سعد: كان ثقة مأموناً لم يكن هناك أفضل منه، وقال أبو سعيد بن يونس: كان فقيه أهل فلسطين في زمانه. والحديث إذا انفرد به مثل هذا كان صحيحاً ولا يضره تفرده، فلا أدري من أين وهم في هذا الحديث روايه كما زعم البيهقي" (). وأيده العلامة الألباني وأثنى على قوله هذا ()، وفي قول ابن التركماني مآخذ عدة نذكر منها:
الأول: أنه جعل ضمرة ثقة مأموناً، وليس هو كذلك، فجماع ترجمته تدل على أنه كان ثقة بينهم، بل قال الحافظ ابن حجر في "التقريب": "صدوق يهم قليلاً"، وأيضاً فإن الشيخين لم يخرجا له شيئاً في صحيحيهما.
الثاني: أنه أورد التوثيق وأهمل الجرح، وفي ضمرة جرح ليس بالقليل، كما في ترجمته من "تهذيب الكمال".
الثالث: أنه نقل قول أحمد في توثيقه ولم ينقل قوله في استنكاره الشديد ورده لحديثه هذا!.
الرابع: أنه زعم أن من غلط ضمرة في هذا الحديث لم يذكر السبب مع أن البيهقي ذكر وبين أنه متن آخر.
الخامس: أن الثقة يهم ويغلط، وهو أمر لم يسلم منه الجهابذة الذين هم أعلى وأغلى من ضمرة مرات، فكان ماذا؟
السادس: أنه لم يتدبر جيداً قول الترمذي: "وهو حديث خطأ عند أهل الحديث"، فهذا يشير إلى اتفاق الجهابذة من أهل الحديث في عصر الترمذي وقبله على رده.
وحديث ينكره النسائي وأحمد والترمذي وأضرابهم ويعدوه غلطاً لا ينفع فيه تصحيح أحد من المتأخرين كابن التركماني وغيره.
ومن ذلك أيضاً أن المصنف حينما ساق حديث معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية .. الحديث، نقل عن البخاري قوله: "هذا حديث غير محفوظ"، ثم ذكر أن الصحيح هو المرسل (). وكذلك رجح المرسل أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان ()، ومسلم بن الحجاج في "التمييز" كما نقل الحافظ في تلخيص الحبير، ثم نقل عن الأثرم عن أحمد، قال: "هذا الحديث ليس بصحيح"، وقال ابن عبد البر: "طرقه كلها معلولة"، وتابعهم الحافظ ابن حجر في التلخيص.
وقد حاول بعض الحفاظ المتأخرين – منهم ابن القطان الفاسي وابن كثير – القول بتصحيح الحديث وأنه قد روي من وجه آخر مرفوعاً مثل رواية معمر من طريق سيف بن عبيد الله، عن سرار بن مجشر، عن أيوب، عن نافع وسالم، عن ابن عمر. وهو إسناد حسن في ظاهره أخرجه الطبراني ()، وأبو نعيم ()، والدار قطني ()، والبيهقي ().
على أن الذي يمعن النظر في طرق هذا الحديث يجد أن أصحاب الزهري قد اختلفوا في هذا الحديث عليه اختلافاً كبيراً فاضطربوا فيه مما يوجب طرحه.
ومثل هذا الحديث الذي يتفق على تضعيفه البخاري ومسلم وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان، وغيرهم، ويرجحون المرسل، ولا يخفى عليهم إسناد له متصل صحيح لا يعرفونه إن كان موجوداً!
ثالثاً: نظرة في زيادة الثقة:
مما تقدم يتبين لنا أن المتأخرين قد صححوا كثيراً من الأحاديث التي أعلها المتقدمون بالإرسال أو الوقوف بحجة أن زيادة الثقة مقبولة مطلقاً، قال النووي: "إذا روى بعض الثقات الضابطين ا لحديث مرسلاً وبعضهم متصلاً أو بعضهم موقوفاً أو بعضهم مرفوعاً أو صلة وهو أو رفعه في وقت أ وأرساله ووقفه في وقت فالصحيح أن الحكم لمن وصله أو رفعه سواء كان المخالف له مثله أو أكثر لأن ذلك زيادة ثقة وهي مقبولة" ()، وقال في موضع آخر: "الصحيح بل الصواب الذي عليه الفقهاء والأصوليون ومحققو المحدثين أنه إذا روي الحديث مرفوعاً وموقوفاً، أو موصولاً ومرسلاً، حكم بالرفع والوصل لأنه زيادة ثقة، وسواء كان الرفع والواصل أكثر أو أقل في الحفظ والعدد" ().
¥