{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [الحشر 7]. وقال تعالى {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ... } [الأحزاب: 21].
وبين الله عز وجل أن النبي صلى الله عليه وسلم {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي} [النجم: 3،4].
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله عز وجل أمره، وعن كتابه معاني ما خوطب به الناس، وما أراد الله عز وجل به، وما شرع من معاني دينه وأحكامه وفرائضه، وموجباته، وآدابه، ومدوبه، وسننه التي سنها، وأحكامه التي حكم بها.
فلبث صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة ثلاثاً وعشرين سنة، يقيم للناس معالم الدين، يفرض الفرائض، ويسن السنن، ويمضي الأحكام، ويحرم الحرام، ويحل الحلال ويقيم الناس على منهاج الحق بالقول والفعل، صلوات الله عليه وعلى آله، أفضل صلاة وأزكاها وأكملها.
فثبت عليه الصلاة والسالم حجة الله عز وجل على خلقه، بما أدى عنه وبين من محكم كتابه ومتشابهه، وخاصة وعامه، وناسخه ومسوخه، وحو ذلك.
ولذا فقد أمر الله تعالى بطاعته فقال: {يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} [النساء: 59] وحذر من مخالفته فقال: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنه أو يصيبهم عذاب أليم} [النور: 63].
وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم: في أتباع سنته؛ إذ هي النور البهي، والأمر الجلي، والحجة الواضحة والمحجة اللائحة، من تمسك بها اهتدى، ومن عدل عنها ضل وغوى.
وإذ أمرنا الله سبحانه باتباع سنته وهديه وكل ما جاء به، فقد كان من لازم ذلك أن يحفظ الله لنا تلك السنة – كما حفظ الكتاب – فتصل إلينا من طريق تقام بها علينا الحجة، {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} [النساء: 165].
ولذا فقد أمنا – ولله الحمد – أن تكون شريعة أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ندب إليها، أو فعلها عليه السلام، فتضيع، ولم تبلغ إلى أحد من أمته. وأمنا أيضاً أن يكون الله تعالى يفرد بنقلها من لا تقوم بنقله الحجة. وكذا أن تكون شريعة يخطئ فيها راويها الثقة، ولا يأتي من الدلائل أو القرائن أو الشواهد ما يبين خطاه فيه.
ولذلك فإنه يتمنع أن يريد الله تعالى تشريع حكم، ثم يقطع على الأمة الطريق الموصلة إليه. وهذا القطع إما أن يكون بعدم وصوله إليهم وكتمانه عنهم أصلاً، وإما بإيصاله إليهم من طريق لا تقوم عليهم به حدة. فالأول ممنوع شرعاً وعقلاً، والثاني مردود لعدم فائدته.
(ولما كان ثابت السنن والآثار، وصحاح الأحاديث المنقولة والأخبار، ملجأ المسلمين في الأحوال، ومركز المؤمنين في الأعمال؛ إذ لا قوام للإسلام إلا باستعمالها، ولا ثبات للإيمان إلا بانتحالها، وجب الاجتهاد في علم أصولها، ولزم الحث على ما عاد بعمارة سبيلها) ().
فإذا قد أقام الله تعالى الحجة بحفظ دينه، وكان الكتاب لا يختلف في سبيل وصوله، وضمن الله تعالى لنا حفظ سنة نبيه، فقد وجب علينا معرفة السبيل الذي أرتضاه الله عز وجل ليكون حجة علينا في معرفة معاني كتابه، ومعالم دينه، وأحكام شرعيته.
وهذا السبيل هو: "النقل والرواية".
فقد اختار الله عز وجل لصحبة نبيه قوماً، شرفهم، وأعلى قدرهم، ورفع منزلتهم، ورضى عنهم، فحفظوا على الأمة أحكام الرسول، وأخبروا عن أنباء التنزيل، ونقلوا أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وضبطوا على اختلاف الأمور أحواله، في: يقظته ومنامه، وقعوده وقيامه، وملبسه ومركبه، ومأكله ومشربه، وهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل، وعرفوا التفسير والتأويل، ففقهوا في الدين، وعلموا أمر الله ونهيه ومراده، بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله، وتلقفهم منه واستنباطهم عنه، فشرفهم الله عز وجل بما من عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة، فنفى عنهم الشك والكذب والريبة، وسماهم عدول الأمة، فكانوا أئمة الهدى، وحجج الدين، ونقلة الكتاب والسنة.
¥