تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذا هو أصل المحجة التي ارتضاها الله عز وجل لهذه الأمة في معرفة دينه، ألا وهو نقل الصحابة الكرام عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمشاهدة والمعاينة للوحي والتنزيل.

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حض صحابته على التبليغ عنه في أخبار كثيرة، فقال: "بلغوا عني ولو آية". وقال في خطبته: "فليبلغ الشاهد منكم الغائب". ودعا لمن بلغ عنه فقال: "نصر الله امرءا سمع مقالتي فحفظها ووعاها حتى يبلغها غيره".

(ثم تفرقت الصحابة رضي الله عنهم في النواحي والأمصار والثغور، وفي فتوح البلدان والمغازي والإمارة والقضاء، فبث كل واحد منهم في ناحيته وبالبلد الذي هو به: ما وعاه وحفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكموا بحكم الله عز وجل، وأمضوا الأمور على ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وافتوا فيما سُئلوا عنه ما حضرهم من جواب رصول الله صلى الله عليه وسلم عن نظائرها من المسائل، وجردوا أنفسهم لتعليم الناس الفرائض والأحكام والسنن والحلال والحرام حتى قبضهم الله عز وجل، رضوان الله ومغفرته ورحمته عليهم أجمعين.

ثم خلف بعدهم التابعون الذي اختارهم الله عز وجل لإقامة دينه، وخصهم بحفظ فرائضه وحدوده وأمره ونهيه وأحكامه وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثاره، فحفظوا عن صحابته ما نشروه وبثوه من العلم، فأتقنوه وعلموه وفقهوا فيه، فكانوا من الإسلام والدين ومراعاة أمر الله عز وجل ونهيه بحيث وضعهم الله عز وجل، ونصبهم له، إذ يقول الله عز وجل: {والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} [التوبة: 100].

فصاروا – برضوان الله عز وجل لهم وجميل ما أثنى عليهم – بالمنزلة التي نزههم الله بها عن أن يلحقهم مغمز أو تدركهم وصمة؛ لتيقظهم وتحرزهم وتثبتهم – رحمه الله ومغفرته عليهم أجمعين – إلا ما كان ممن الحق نفسه بهم، ودلسها بينهم ممن ليس يلحقهم، ولا هو في مثل حالهم، لا في فقه ولا علم ولا حفظ ولا إتقان، ممن بين أهل النقد حالهم، وميزوهم عن غيرهم من أقرانهم ليعرفوا.

ثم خلفهم تابعو التابعين، وهم خلف الأخيار، وأعلام المصار في دين الله عز وجل، ونقل سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظه وإتقانه، والعلماء بالحلال والحرام، والفقهاء في أحكام الله عز وجل وفرضه وأمره ونهيه) ().

وهم على مراتب في الورع والضبط والإتقان، وقد جعل الله عز وجل لكل شيء قدراً. ومنهم أيضاً – وهم في هذه الطبقة أكثر من التي قبلها – من ألصق نفسه بهم، ودلسها بينهم، ممن ليس من أهل الصدق والأمانة، ومن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال منهم الكذب، فبينوا أمرهم.

هكذا حمل المتأخر عن المتقدم، واللاحق عن السابق، وتناقلت الرواة الأخبار والسنن، وزادت الوسائط المبلغة لدين الله عز وجل، وسميت هذه الوسائط بـ: "الإسناد".

ولما كان الله عز وجل قد أرتضى أن يكون "النقل" هو السبيل إلى تعرف هذه الأمة على دينه وشرعه، وقد ضمن الله لنا حفظ الدين، فقد دل ذلك أن السبيل إلى هذا التعرف – ألا وهو النقل الذي تقوم به الحجة – محفوظ أيضاً.

فكيف إذا حفظ الله عز وجل هذا "النقل"؟

والجواب: أن الله تعالى كما اختار لصحبه نبيه أعلاماً أكفاء، إئتمنهم على تبليغ دينه، فقد اختار أيضاً رجالاً صنعهم على عينه، وخصهم بهذه الفضيلة، ورزقهم هذه المعرفة، وهيأ لهم من الأحوال، ما جعلهم علماً للإسلام، وقدوة في الدين، ونقاداً لناقلة الأخبار، فاجتهدوا في حفظ هذا الدين، ونفي تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وبيان خطأ المخطئين، ولو كانوا من الثقات المتقنين.

وميز هؤلاء بين عدول النقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والإتقان منهم، وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة.

(وقد جعلهم الله تعالى أركان الشريعة، وهدم بهم كل بدعة شنيعة، فهم أمناء الله من خليقته، والوساطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، والمجتهدون في حفظ ملته.

أنوارهم زاهرة، وفضائلهم سائرة، وآياتهم باهرة، ومذاهبهم ظاهرة، وحججهم قاهرة.

وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه، أو تستحسن رأياً تعكف عليه – سواهم؛ فإن الكتاب عدتهم، والسنة حجتهم، والرسول فئتهم، وإليه نسبتهم، لا يعرجون على الأهواء، ولا يلتفتون إلى الآراء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير