ومن أهل الشام: الأوزاعي.
ومن أهل واسط: هشيم.
ثم صار علم هؤلاء الأثنى عشر إلى ستة: إلى يحيى بن سعيد – يعني القطان – وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجرح، ويحيى بن أبي زائدة، ويحيى بن آدم، وعبد الله بن المبارك" اهـ.
فكان الناقد يحفظ أحاديث كل من هؤلاء، من طريق تلامذتهم الملازمين لهم، المعروفين بهم، وكان لبعض هؤلاء نسخ وصحائف بأحاديثهم التي حدثوا بها، بحيث يستطيع الناقد عن طريق هذا "الإحصاء" الدقيق لحديث كل منهم أن يقول فيما يعرض عليه: هذا ليس من حديث فلان – أو هو غريب من حديث فلان – أو لا يجيء من حديث فلان.
أو هو من حديث فلان لكن بإسناد آخر، أو بهذا الإسناد لكن بمتن آخر، وهكذا.
ويحكم الناقد بهذا على راوي ذاك الحديث بالوهم في روايته، وقد يكون هذا الراوي ثقة، ولكن حفظ الناقد – وهو فوق الثقة بلا شك – أولى من حفظ غيره، لأنه يعتمد على "الحصر" و "الإحصاء".
قال أبو حاتم (): "صليت بجنب يحيى بن معين فرأيت بين يديه جزءاً .. فطالعته، فإذا: "ما روى الأعمش عن يحيى بن وثاب أو عن خيثمة – شك أبو حاتم – فظننت أنه صنف حديث الأعمش " اهـ.
معنى ذلك أن ابن معين كانت عنده أحاديث الأعمش مصنفة بحسب مشايخه، وهذا "حصر" لأحاديث الأعمش بصورة دقيقة متقنة، وقص على ذلك أحاديث غيره، وكذا صنيع غالب النقاد.
وقال علي بن الحسين بن الجنيد (): ما رأيت أحداً أحفظ لحديث مالك بن أنس لمسنده ومنقطعة من أبي زرعة. فقال له ابن أبي حاتم: ما في الموطأ والزيادات التي ليست في الموطأ؟ فقال: نعم" اهـ.
وقال أبو زرعة (): " نظرت في نحو من ثمانين ألف حديث من حديث ابن وهب بمصر وفي غير مصر ما أعلم أني رأيت له حديثاً لا أصل له" اهـ.
وقال أبو زرعة أيضاً (): "خرجت من الري المرة الثانية سنة سبع وعشرين ومائتين، ورجعت إلىمصر، فأقمت بمصر خمسة عشر شهراً، وكنت عزمت في بدو قدومي مصر أني أقل المقام بها، لما رأيت كثرة العلم بها وكثرة الاستفادة، عزمت على المقام، ولم أكن عزمت على سماع كتب الشافعي، فلما عزمت على المقام وجهت إلى أعرف رجل بمصر بكتب الشافعي، فقبلتها منه بثمانين درهماً أن يكتبها كلها، وأعطيته الكاغد، وكنت حملت معي ثوبين .. لأقطعهما لنفسي، فلما عزمت على كتابتها، أمرت بيعهما، فبيعا بستين درهما، واشتريت مائة ورقة كاغد بعشرة دراهم، كتبت فيها كتب الشافعي .. ".
فانظر إلى نفقته في "إحصاء" كتب الشافعي.
وقال أبن أبي حاتم (): "سمعنا من محمد بن عزيز الأيلي الجزء السادس من مشايخ عقيل، فنظر أبي في كتابه، فأخذ القلم فعلم على أربعة وعشرين حديثاً؛ خمسة عشر حديثاً منها متصلة بعضها ببعض، وتسعة أحاديث في آخر الجزء متصلة، فسمعته يقول: ليست هذه الأحاديث من حديث عقيل عن هؤلاء المشيخة، إنما ذلك من حديث محمد بن إسحاق عن هؤلاء المسيخة.
ونظر إلى أحاديث عن عقيل عن الزهري، وعقيل عن يحيى بن أبي كثير، وعقيل عن عمرو بن شعيب ومكحول، وعقيل عن أسامة بن زيد الليثي فقال: هذه الأحاديث كلها من حديث الأوزعي عن يحيى بن أبي كثير، والأوزاعي عن نافع، والأوزاعي عن أسامة بن زيد، والأوزاعي عن مكحول، وإن عقيلاً لم يسمع من هؤلاء المشيخة هذه الأحاديث"اهـ.
فتدبر قول أبي حاتم: "ليست هذه الأحاديث من حديث عقيل عن هؤلاء المشيخة" من أين كان يتأتى له أن يجزم بذلك إن لم تكن أحاديث عقيل مجموعة عنده، مصنفة على أسماء شيوخه، فلم يجد فيها ما رآه في كتاب ابن أبي حاتم المشار إليه، وكانت تلك الأحاديث فيما أحصاه أبو حاتم من حديث محمد ابن إسحاق عن هؤلاء الشيوخ، فعلم أن خطئاً طرأ على ذاك الكتاب لعله من التحويل أو غير ذلك من أسباب الخلل، فأبدل اسم ابن إسحاق بعقيل، وكذلك أبدل اسم الأوزاعي به في سائر الأحاديث؛ لأن أمثال هؤلاء: عقيل، وابن إسحاق، والأوزاعي ممن "يحصر" النقاد أحاديثهم فلا يغيب عنهم منا شيء.
وقيل لأبي حاتم (): إن عبد الجبار بن العلاء روى عن مروان الفزاري عن ابن أبي ئنب، فقال: قد نظرت في حديث مروان بالشام الكثير، فما رأيتُ عن ابن أبي ذئب أصلاً".
وكذلك استنكر أبو زرعة هذه الرواية، فاتفقا من غير تواطؤ بينهما؛ لمعرفتهما بهذا الشأن، كما قال ابن أبي حاتم.
¥