تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمن أين لهما الجزم بذلك إن لم تكن أحاديث مروان نصب أعينهما، يعدانها عدا، ويحصيانها إحصاء؟

فقس على هذا "حصر" النقاد أحاديث من تدور عليهم الأسانيد في البلدان.

2 - ومنها: معرفة طبقات الرواة عن أولئك الحفاظ، ودرجاتهم في الثقة، والضبط، والتثبت، والصحبة، والملازمة، والإكثار وغير ذلك، وهذا النوع من المعرفة يتوقف عليه تقديم الناقد رواية بعض الرواة على بعض ().

3 - ومنها: حصر أحاديث الضعفاء ونسخهم وصحفهم، حتى لا تختلط بأحاديث الثقات، فإذا أبدل اسم الضعيف بثقة، لم يرج ذلك عليهم.

قال الأثرم (): رأى أحمد بن حنبل يحيى بن معين بصنعاء في زاوية، وهو يكتب صحيفة معمر عن أبان () عن أنس، فإذا طلع عليه إنسان كتمه. فقال له أحمد بن حنبل: تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس، وتعلم أنها موضوعة، فلو قال لك قائل: إنك تتكلم في أبان ثم تكتب حديثه على الوجه؟ فقال: رحمك الله يا أبا عبد الله، أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق عن معمر على الوجه فأحفظها كلها، وأعلم أنها موضوعة، حتى لا يجيء بعده إنسان فيجعل بدل: "أبان" "ثابتاً" ()، ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس بن مالك، فأقول له: كذبت، إنما هي عن معمر عن أبان، لا عن ثابت" اهـ.

وانظر كتاب "الجامع" للخطيب (2/ 192)، فقد بوب على هذا المعنى وذكر لهذه الحكاية نظائر عن بعض الأئمة.

4 - السؤال عن أحوال من لم يعرفهم من رجال الأسانيد التي يسمعها، وجمع أحاديث المقلين منهم، ومعرفة المجاهيل من الرواة، ومن لم يرو عنهم إلا القليل، والوقوف على الأحاديث التي لا ترد إلا من طريقهم، وكشف الشواذ والمناكير من الآثار بعرضها على أصول الكتاب والسنة، وعلى سائر ما صح من الأخبار، ويكون ذلك وغيره باستعمال "ملكته" الخاصة، وبالمذاكرة بينه وبين سائر النقاد الأحبار.

والناقد يحفظ تلك الغرائب للمعرفة، لا لروايتها ولا للاحتجاج بها، وإنما يهجرها الأئمة ولا يعولون عليها، لثبوت الوهم تفيها خطأ أو عمداً، وللأسف يأتي من بعدهم فيقفون عليها، فيظنون بأنفسهم خيرا، ولا يدركون ما فيها من الشذوذ والغربة – سنداً أو متناً -، فلا يقنعون بهجر الأوائل لها، ولا بتركهم لروايتها، ولا بتنبيه بعضهم على نكارتها، فتجدهم يقوون بها أحاديث ضعيفة، ويضمدون بها أخبار جريحة، ويتباري القاصرون في تصحيح تلك المناكير، غير ملتفتين إلى أن الناقد خبير.

وقد كان للنقاد عناية خاصة بالتعرف على غرائب الحديث، وأوهام الرواة، وكانت جل مذاكراتهم إنما تدور حول هذا النوع من الحديث، فيتذاكرون علل الأحاديث، وأخطاء الرواة، ويقومون بالفحص عنها والتفيش عن مظانها، حتى إنهم ليتنافسون في معرفتها والوقوف عليها.

وقد سبق إيراد قول أبي حاتم: "جرى بيني وبين أبي زرعة يوماً تمييز الحديث ومعرفته، فجعل يذكر أحاديث ويذكر عللها، وكذلك كنت أذكر أحاديث خطأ وعللها وخطأ الشيوخ ... ".

وكان لأصحاب الحديث لغة يعبرون بها عن تلك الغرائب، قال الإمام أحمد: "إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون: هذا الحديث غريب أو فائدة، فأعلم أنه خطأ، أو دخل في حديث، أو خطأ من المحدث، أو حديث ليس له إسناد، وإن كان قد روى شعبة وسفيان. فإذا سمعتهم يقولون: لا شيء فاعلم أنه حديث صحيح" ().

وقوله " لا شيء " أي ليس هو من جنس ما يعتنون بتحصيله ومعرفته، وإنما هو حديث صحيح مشهور.

وقد كان النقاد – مع معرفتهم بتلك الغرائب – يمدحون المشهور من الحديث، ويذمون الغريب منه، خشية أن يتتبعها من لا علم له، فيسقط فيها.

قال عبد الله بن المبارك: "العلم هو الذي يجيئك من ههنا ومن ههنا" يعني المشهور. وقال الإمام مالك: "شر العلم الغريب"، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس". وقال الإمام أحمد: "شر الحديث الغرائب التي لا يعمل بها ولا يعتمد عليها". وقال أيضاً: "تركوا الحديث وأقبلوا على الغرائب، ما أقل الفقه فيهم؟! ".

وقال شعبة: "لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ" ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير