تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والدليل على صحة ما نقوله بأن ديناراً نبهرجاً يُحمل إلى الناقد، فيقول: هذا دينار نبهرج، ويقول دينار: هو جيد. فإن قيل له: من أين قلت: أن هذا نبهرج، هل كنت حاضراً حين بهرج؟ قال: لا. فإن قيل له: فأخبرك الرجل الذي بهجره: أني بهرجت هذا الدينار؟ قال: لا. قيل: فمن أين قلت: إن هذا نبهرج؟ قال: علماً رزقت. وكذلك نحن رزقنا معرفة ذلك.

قلت له: فتحمل فص ياقوت إلى واحد من البصراء من الجوهريين، فيقول: هذا زجاج، ويقول لمثله: هذا ياقوت، فإن قيل له: من أين علمت أن هذا زجاج وأن هذا ياقوت؟ هل حضرت الموضع الذي صنع فيه هذا الزجاج؟ قال: لا، قيل له: فهل أعلمك الذي صاغه بأنه صاغ هذا زجاجاً، قال: لا. قال: فمن أين علمت؟ قال: هذا علم رزقت. وكذلك نحن رزقنا علماً لا يتهيأ لنا أن نخبرك كيف علمنا بأن هذا الحديث كذب، وهذا حديث منكر إلا بما نعرفه" ().

وهذه المرحلة هي المرحلة الأكثر أهمية في تاريخ الجرح والتعديل، وهي التي ينبغي أن تتبع اليوم، ولا سيما في المختلف فيهم، إذا يتعين جمع حديثهم، ودراسته من عدة أوجه:

أولها: أن ينظر في الراوي إن كان له متابع على روايته ممن هو بدرجته، أو أكثر إتقاناً منه.

والثاني: أن يعرض حديثه على المتون الصحيحة التي هي بمنزلة قواعد كلية، وهي القرآن الكريم وما ثبت من الحديث، فإن وافقها اعتبرت شواهد لها يتقوى بها، أما الشواهد الضعيفة فلا عبرة بها.

المرحلة الثالثة: الجمع بين أقوال المتقدمين في الرواة، وبين جمع حديث الراوي وسبره وإصدار الحكم عليه، كما نراه واضحاً عند علماء القرن الرابع الهجري مثل ابن حبان "ت354هـ" وابن عدي الجرجاني "ت 365هـ"، والدار قطني "ت 385هـ".

ولعل أبرز من يمثل هذه المرحلة هو ابن عدي في كتابه " الكامل في ضعفاء الرجال". كان ابن عدي يعتمد أقوال المتقدمين، فيوردها عادة في صدر الترجمة، ثم يفتش حديث الرجل –وهذا يقتضي أن يجمع حديثه، ويسوق منه أحاديثه المنكرة، أو ما أنكر عليه، أو الأحاديث التي ضعف من أجلها، فيدرسها ويبين طرقها – إن كانت لها طرق أخرى -، ويصدر حكماً في نهاية الترجمة يبين فيه نتيجة دراسته هذه، ويعبر عن ذلك بأقوال دالة نحو قوله: "لم أجد له حديثاً منكراً" ()، أو: "لا أعرف له من الحديث إلا دون عشرة أو: "هذه الأحاديث التي ذكرتها أنكر ما رأيت له" (). ونحو ذلك من الأقوال و الأحكام التي تشير إلى أن الأساس في الحكم على أي شخص جرحاً أو تعديلاً هي الأسانيد التي ساقها والمتون التي رواها، ولا ما قاله أهل الجرح والتعديل فقط. وقد دفعه هذا المنهج إلى إيراد رجال لم يتكلم فيهم أحد، لكنه وجد لهم أحاديث استنكرت عليهم لمخالفتهم ما هو معروف متداول من الأسانيد والمتون، وهو ما يُعبر عنه بعدم متابعة الناس له عليها، أو أنها غير محفوظة، نحو قوله في ترجمة سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري بعد أن ساق له جملة أحاديث غير محفوظة: "ولسعد غير ما ذكرت، وعامة ما يرويه غير محفوظ، ولم أر للمتقدمين فيه كلاماً، إلا أني ذكرته لأبين أن رواياته عن أخيه عن أبيه عن أبي هريرة عامتها لا يتابعه أحد عليها" ().

وقضية سعد هذا بينها ابن حبان في "المجروحين" بشكل أوضح، فقال: "يروي عن أخيه وأبيه عن جده بصحيفة لا تشبه حديث أبي هريرة يتخايل إلى المستمع لها أنها موضوعة أو مقلوبة أو موهومة، لا يحل الاحتجاج بخبره ".

المرحلة الرابعة: التأكيد على نقد السند استناداً إلى أقوال أئمة الجرح والتعديل بعد جمعهم لها والموازنة بينها، ووضع القواعد الخاصة بهذا الأمر مما ظهر في كتب المصطلح، فصححوا الأحاديث التي اتصل إسنادها برواية الثقات العدول، وخلت من الشذوذ والعلة، وحسنوا الأحاديث التي اتصلت أسانيدها، واختلف النقاد في واحد أو أكثر من رواتها، وضعفوا الأحاديث التي لم تتصل أسانيدها، أو ضعف واحد أو أكثر من رواتها، على اختلاف بينهم بين متشدد ومتساهل بحسب مناهجهم التي ارتضوها، وما أدري إليه اجتهادهم. وقد ظهر هذا الاتجاه منذ عصر أبي عبد الله الحاكم النيسابوري "ت 405هـ" وإلى عصور متأخرة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير