دراسة المقدمة من خلال ما اشتملت عليه:
المقدمة من حيث الشكل:
أولا:دخول المؤلف في الموضوع رأسا؛ بعد حمد وصلاة لا يتعديان السطر الواحد؛ وخلو التقديم عما كان قد بدأ يشيع أو شاع في ذلك العصر من الخطب المحبرة والأسجاع المتكلفة؛ وبراعة الاستهلال.
ثانيا: أسلوبه السلس المعبر عما في نفسه ببساطة ويسر دون تكلف أو تنميق؛ وأسلوبه هذا هو المتبع في سائر الكتاب؛ حتى إنه ينزل في أحيانا في الشرح والبيان إلى درجة تستغرب بالنظر إلى عصره؛ وما يبدو أحيانا من تعقيد في بعض العبارات فانه يرجع إلى الموضوع ذاته وتشعب أطرافه وتداخل مصطلحاته.
معطيات المقدمة:
مما اشتملت عليه المقدمة من المعطيات؛ مما يستحق العناية والبحث؛ أشياء منها:
دراسة أبواب الكتاب من خلال تصديرات المؤلف لكل باب؛ ثم تلخيص مضمن الباب؛ وما يرمي ليه المؤلف من عقده له.
القواعد والفوائد التي قال: إنه أفادها في أسانيدها ومتونها فوائد لا توجد في غير كتابه.
معرفة أولئك المحاورين والمناظرين والمفاوضين من المغاربة أو الطارئين على المغرب؛ الذين استفاد من مذكراتهم ومناظرتهم في علوم الحديث؛ والذين لا يعرف عنهم إلا أقل القليل.
سبب تأليفه للكتاب:
انتقاد المؤلف للمعتمدين على المختصرات؛ ونصيحته لطلبة الحديث بالرجوع إلى الأصول المسندة.
وظيفة المحدث في نظر المؤلف.
دفاعه عن المحدثين الأصلاء.
تحليل موقفه من التقليد والاجتهاد.
مدى ارتباط كتابه بكتاب عبد الحق.
اصطلاح المؤلف ومدى تقيده بما انتهجه لنفسه في أبواب كتابه.
استخراج ثبت بالمصادر التي قال أنه لم يتيسر لغيره الوقوف عليها.
غير ذلك مما تعطيه المقدمة من بحوث وعناوين لموضوعات تعتبر غاية في لأهمية بالنسبة إلى دارس الكتاب؛ أو دارس شخصية ابن القطان.
اصطلاح المؤلف:
وليس المقصود باصطلاح المؤلف اصطلاحا خاصا له في هذا الكتاب كرموز وإشارات؛ أو حروف أو اختزال كما هو الحال بالنسبة إلى عبد الحق في سكوته عن الصحيح واشاراته إلى الرواة وإرداف الزيادات بأساليب خاصة؛ وما إلى ذلك. فكلام ابن القطان سهل سلس مبسط إلى حد الإسهاب؛ وخال من الإشارات والرموز؛ إنما القصد باصطلاحه ذلك المنهج الذي انتهجه لنفسه حين وضع تلك الأبواب الكثيرة والطويلة العنوان؛ ووزع عليها مادة الكتاب مقطعة تقطيعا؛ ومتشعبة شعبا وفروعا؛ مما أحوجه إلى تقديم المقدمات والتصديرات بين يدي أغلب تلك الأبواب؛ ليبين فيها مضمون كل باب ويوضح الفروق بينها؛ ويزيح توهم تداخلها؛ بل يضع الأسس والأصول لأبواب كتابه.
صعوبة الاستفادة من ترتيب ابن القطان لكتابه:
وهكذا سار ابن القطان على هذا النهج الغريب الذي يقتضي من مريد الاستفادة من الكتاب استعابه كله إن هو أراد أن يظفر بفائدة من تلك الفوائد التي لا توجد في غيره من الكتب على حد قوله. ولئن كان الواقع يؤيد قوله؛ كما شهد بذلك الجهابذة من نقاد هذا الفن؛ فان دون إحراز فوائده صعوبات جمة أهمها:
أن عناوين الأبواب ليست عناوين لمجموعة محددة من الأحاديث المنقودة تكلم عليها المؤلف؛ بل هي عناوين لأفكار في ذهن المؤلف رتبها مع نفسه بحسب ما ظهر له من تصنيف للأحاديث التي تكلم عليها؛ ولم يراع فيها احتياج القارئ إلى استفادة حكم واحد على حديث أو رجل فيسهل له سبل هذه الاستفادة.
أنه لا يمكن للقارئ أن يتكهن بأن هذا الباب مظنة للكلام على الحديث الفلاني مثلا أو الرجل الفلاني؛ فإذا وجد القارئ في " تهذيب التهذيب " أن هذا الرجل ضعفه ابن القطان أو وثقه؛ وأراد أن يقف على نص كلامه في كتابه فلا مجال له لذلك إلا بقراءة الكتاب كله. وإذا وجد في " نصب الراية " أو " التلخيص الحبير " أن هذا الحديث صححه ابن القطان؛ وأراد أن يقف على طريفة تصحيحه؛ فانه لن يجد الحديث إلا مصادفة؛ أما قصدا إلى الحديث المعين؛ فيتعذر ذلك تعذرا تاما على أي قارئ إلا باستيعاب الكتاب كله.
¥