وبقدر ما أدرك العلماء فائدة الكتاب العلمية؛ أدركوا صعوبة الاستفادة منه؛ فقام بترتيبه عالمان كبيران هما: صدر الدين بن المرحل المعروف بابن الوكيل المتوفى سنة 716 أحد شراح أحكام عبد الحق؛ والحافظ مغلطاي الحنفي المتوفى سنة 762؛ ولكن لا نعلم شيئا عن ترتيبهما ولا يعرف منهجهما في ذلك؛ ولو وجد هذان الكتابان لأفادا فائدة عظمى سواء بالنسبة إلى الاستفادة من كتاب ابن القطان أو بالنسبة إلى تتميم النقص في السطور الممحوة.
تقيد ابن القطان بمنهجه وترتيبه:
ولعل الأغرب من ترتيب المؤلف؛ حرصه على التمسك بمنهجه وإيراد الأشياء في أبوابها المخصصة لها؛ وان أدى ذلك إلى تفتيت وحدة الموضوع المبحوث؛ فهو مثلا:
يبحث الموضوع الواحد في ثلاثة أبواب أو أربعة؛ بحيث يبدؤه في باب ثم يحيل في إتمامه على باب آخر؛ وفي الآخر يحيل إلى آخر وهكذا.
قد يكون البحث مسترسلا في موضوع ما ويظن أنه سيجمع أطرافه ثم فجأة يتوقف ويحيل على باب يختص ببقية الموضوع.
ونادرا ما يجمع أطراف موضوع في باب واحد؛ إذا كان لا مجال لتقطيعه.
وقد يكون الحديث الذي أورده عبد الحق له جوانب عديدة بحيث يستحق أن يذكر في عدة أبواب؛ و ابن القطان لا ينقد الحديث إلا إذا اكتملت فيه عناصر عينها. فان اكتملت فيه بعض العناصر ذكره فقط من تلك الجهة في باب واحد أو بابين.
9 - التعقبات على ابن القطان:
أولا تعقبات ابن المواق:
الحافظ أبو عبد الله بن المواق؛ المراكشي تلميذ ابن القطان واسم كتابه: ((المآخذ الحفال؛ في شرح ما تضمنه كتاب بيان الوهم والإيهام؛ من الإخلال والإغفال؛ وما انضاف إليه من تتميم وإكمال)) [36].
قال ابن عبد الملك عن تعقب ابن المواق هذا: " ظهر فيه إدراكه ونبله ومعرفته بصناعة الحديث؛ واستقلاله بعلومه؛ وإشرافه على علله وأطرافه؛ وتيقظه وبراعة نقده واستدراكه " [37].
وقال عنه في ((الرسالة المستطرفة)): " " تعقبا ظهر فيه كما قال الشيخ القصار:إدراكه ونبله؛ وبراعة نقده؛ إلا أنه تولى إخراجه من المبيضة؛ ثم اخترمته المنية؛ ولم يبلغ من تكميله الأمنية ". [38]
وقد أخرج الكتاب من مسودته وأكمله وأضاف إليه زيادات وتتمات: ابن عبد الملك المراكشي؛ صاحب ((الذيل والتكملة)) وابن رشيد السبي.
ثانيا تعقبات ابن رشيد:
وهو الحافظ الرحالة أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن عمر الفهري من أهل سبة يعرف بابن رشيد؛ ولد بسبتة سنة 657 وقام برحلته الشهيرة إلى المشرق؛ حيث استكثر من الشيوخ والأسمعة في سنة 683 وتوفي بفاس سنة 721.
وصفه ابن خلدون في " العبر " بكبير مشيخة المغرب؛وسيد أهله شيخ المحدثين الرحالة " وقد استوعب ترجمته وذكر مؤلفاته: الدكتور محمد الحبيب بلخوجة في تقيمه للكتابين اللذين طبعهما له وهما: ((إفادة النصيح بسند الجامعالصحيح))؛ ((والسنن الأبين؛ والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن)) [39]
وعمل ابن رشيد بالنسبة إلى كتاب ابن المواق هو _ كما تقدم _ تبييضه وتتميمه؛ قال في ((المستطرفة)) عن كتاب ابن المواق: " فتولى تكميل تخريجه مع زيادة تتمات؛ وكتب ما تركه المؤلف بياضا: أبو عبد الله … ابن رشيد ".
قال الأستاذ إبراهيم بن الصديق: " وقد عثر الأستاذ الباحث محمد إبراهيم الكتاني رئيس قسم المخطوطات بالخزانة العامة بالرباط؛ على قطعة يفترض أنها من كتاب ابن رشيد هذا وقد كتب على واجهة القطعة التي عثر عليها ما يلي: " السفر الأول من كتاب (بغية النقاد؛ فيما أخل به كتاب البيان؛ أو أغفله؛ أو ألم به فما تممه؛ ولأكمله). .. والقطعة تقع في 50 ورقة؛ مائة صفحة؛ بخط مغربي عادي؛ والصفحة نحو 25 سطر؛ ويظهر أن المؤلف حافظ على تبويب ابن القطان؛ حيث يأتي بصورة أبوابه؛ ثم يعقب على ما انتقده منها؛ وزاد أبوابا اقتضاها منهجه. "
ثالثا جمع ابن عبد الملك بين كتب عبد الحق و ابن القطان وابن المواق:
قال ابن الزبير: " ألف كتابا جمع فيه بين كتابي ابن القطان وابن المواق على كتاب ((الأحكام)) لعبد الحق؛ مع زيادات من قبله. وكتابه المسمى بالذيل والتكملة … " [40].
¥