تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن المنتبه باعتناء إلى هذا الملحظ، سوف يقف على قوة علاقة الدلالات الاصطلاحية للكلمة بالمعنى اللغوي الأصلي لها. وهذه العلاقة القوية، سوف تفسر له سبب اختيار أهل جيل واحد بأجمعهم لذلك اللفظ للتعبير به عن ذلك المعنى، دون اتفاقٍ بين أهل ذلك الجيل على هذه الاختيار، ثم يتداول ذلك اللفظ لذلك المعنى، بل يغلبه عند أهل الفن.

وقال بعد استدلال طويل لما قرر:

وفي الحقيقة، فإن قوة علاقة المعاني اللغوية بالمعاني الاصطلاحي في مصطلحات الحديث، لا يحتاج على كل هذا الاستدلال. إذ يكفي للدلالة على ذلك، شيوع تلك الألفاظ بمعانيها الاصطلاحية، بين نقلة الحديث وعلمائه، دون اجتماع واتفاق سابق بينهم على استخدامها بتلك المعاني الجديدة؛ ودون غيرها منت الألفاظ، التي كان من الممكن أن تؤدي الغرض نفسه أو بعض الغرض. مما يؤكد أن تلك الألفاظ التي اصطلح على استخدامها بتلك المعاني، لها من معناها اللغوي، أقوى علاقة بالمعنى الجديد، لذلك كانت أقرب لفظٍ سبق إلى ألسنة علماء الفن، للتعبير به عن ذلك المعنى الحادث.

غير أن التنبة إلى قوة العلاقة بين المعاني اللغوية والاصطلاحية في علم الحديث، له أثر كبير في فهم مدلولات المصطلحات، وفي الترجيح بين الأقوال المختلفة فيها. لذلك أحببت التأكيد عليها، بعد إقرارها والاتفاق عليها.

.

عقبات في الطريق بين الشيخ أن كتب المصطلح من الخطيب قد خلط فيها كلام أهل لاصطلاح بكلامغيرهم بل أحينا غلب على كلام أهل لصطلاح.

لكن يصطدم مع هذه الحقيقة الواضحة (فكرة تطوير المصطلحات)، السابق شرحها وشرح خلفيتها (1).

إذ إن تغيير مدلولات المصطلحات، بغرض (تطويرها)، مهما كان ذلك التغيير يسيراً في نظر القائل بـ (التطوير)؛

قبل شرح خطر هذه الفكرة: (فكرة تطوير المصطلحات)، فأنا أعني بكفرة تطوير المصطلحات: (تغيير معاني المصطلحات عما كانت تعنيه عند أهل الاصطلاح، عمداً،لأي غرضٍ يظنه ذاك المغير حسناً).

إذن .. فما السبيل إلى فهم مصطلح الحديث؟

فأقول: نصف الجواب على هذا السؤال، أن تعرف من هم أهل هذا المصطلح الذين تسأل عن معنى مصطلحاتهم.

وقد سبق أن قلنا: إنهم علماء الحديث في القرن الثالث فما قبله، وأعيان أئمة الحديث في القرن الرابع، هؤلاء هم (أهل الاصطلاح).

أما النصف الثاني من الجواب:

فالسبيل إلى فهم اصطلاح (أهل الاصطلاح) هو: الاستقراء التام لإطلاقات (أهل الاصطلاح)، ثم نصنف هذه الإطلاقات: كل إطلاقٍ منها على حدة. ثم عقد الموازنات بين: كل إطلاق، والمسائل والصور الجزئية التي أطلق عليها، بغرض معرفة الصفة الجامعة (القاسم المشترك) بين تلك المسائل والصور، لنعرف السبب الذي جعل (أهل الاصطلاح) يخصون تلك المسائل والصور بذلك الإطلاق المعين. مع الاهتمام البالغ بالمعنى اللغوي الأصلي لذلك الإطلاق، وملاحظة وجه علاقة المعنى اللغوي الأصلي بالمعنى الاصطلاحي اللحادث.

وإن كان اتضح بعد هذه الدراسة والموازنة أن بين بعض الاصطلاحات تداخل وعدم تمايز، فيجب علي أن أرضى بهذه النتيجة، وأن أفهمها بما فيها من تداخل، لأتمكن من فهم كلام (أهل الاصطلاح) ومن الاستفادة من علومهم. فليس من حقي أن اضع نفسي في غير موضعها، بالتحكم على المصطلحات، بـ (التطوير) والتغيير لمدلولاتها، بعد أن قيل: لا مشاحة في الاصطلاح. والسخرية أن أغير معنى المصطلح، ثم أفهم كلام صاحب هذا المصطلح على تفسيري لمصطلحه، لا على مراده هو منه!!

وأنبه هنا: أنه لا غضاضة على من وجد مسائل جزئية، غير داخلةٍ في مصطلح لـ (أهل الاصطلاح)، وتجمعها صفةً واحدة= أن يختار لها اسماً، لمعناه اللغوي علاقة بتلك الصفة الجامعة. لكن مع إيضاح أن ذلك الاسم ليس من مصطلحات (أهل الاصطلاح)، حتى لا يظن في يوم من الأيام أنه من مصطلحاتهم؛ فإذا ما ورد ذلك الاسم نفسه بعد ذلك في كلام (أهل الاصطلاح) بمعناه اللغوي، حمله من لا يعلم على المعنى المستنبط من تلك الصفة الجامعة.

هذا هو المنهج النظري الصحيح لتفسير مصطلحات الحديث وفهم مدلولاتها، وما سواه إلا ظنون أو تخبط!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير