تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لكن منهج ابن المديني في هذا الباب فيه تشدد، وقد لخص ابن رجب مذهبه بقوله: والظاهر أنه ينظر إلى اشتهار الرجل بين العلماء وكثرة حديثه ونحو ذلك، لا ينظر إلى مجرد رواية الجماعة عنه (). وقريب من ابن المديني أيضاً أبوحاتم الرازي والإمام أحمد بن حنبل، فقد نقل ابن رجب رحمه الله عنه أنه قال في إسحاق بن أسيد الخراساني: ليس بالمشهور (). قال: مع أنه روى عنه جماعة من المصريين لكنه لم يشتهر حديثه بين العلماء، وكذا قال أحمد في حصين بن عبدالرحمن الحارثي: ليس يعرف ما روى عنه غير حجاج بن أرطأة وإسماعيل بن أبي خالد وروى عنه حديثاً واحداً وقال في عبدالرحمن بن وعلة إنه مجهول مع أنه روى عنه جماعة، ولكن مراده أنه لم يشتهر حديثه ولم ينتشر بين العلماء.

وقد صحح حديث بعض من روى عنه واحد ولم يجعله مجهولاً، وقال في خالد بن عمير: لا أحد روى عنه غير الأسود بن شيبان ولكنه حسن الحديث. وقال مرة أخرى: حديثه عندي صحيح.

كذا قرر ابن رجب مذهب أبي حاتم وأحمد ثم علق على ذلك بقوله: وظاهر هذا أنه لا عبرة بتعدد الرواة وإنما العبرة بالشهرة ورواية الحفاظ الثقات ().

ويدل لهذا المعنى أيضاً سؤال ابن أبي حاتم لأبيه حيث قال: سألت أبي عن رواية الثقات عن رجل غير ثقة مما يقويه؟ قال: إذا كان معروفاً بالضعف لم تقوه روايته، وإن كان مجهولاً نفعه رواية الثقة عنه ().

وسأل أبا زرعة أيضاً فقال: ((سألت أبا زرعة عن رواية الثقات عن رجل مما تقوي حديثه فقال: أي لعمري. قلت: الكلبي روى عنه الثوري، قال: إنما ذلك إذا لم يتكلم فيه العلماء، وكان الكلبي يتكلم فيه ... )) ().

فاعتراض ابن أبي حاتم بالثوري يدل على أن الثقة الذي ترفع روايته الجهالة هو الثقة المتميز، وأضاف أبو زرعة حيث لا يكون المرء متكلماً فيه.

فالخلاصة مما سبق مما نقلناه أن الراوي عند المتقدمين ترتفع عنه الجهالة إذا:

- روى عنه واحد من الأئمة الثقات الحفاظ بشرط أن لا يكون الراوي عنه يروي عن المجهولين كما دل عليه كلام يحيى بن معين.

- وأن لا يكون معروفاً بالضعف كما عبر عنه أبو حاتم.

- أو لا يكون تكلم فيه العلماء كما عبر بذلك أبو زرعة.

وبعضهم كابن المديني لا يرفع عنه الجهالة ولو روى عنه أكثر من ثقة، بل يعتبر في ذلك اشتهار حديثه بين العلماء كما سبق. لكن هنا سؤال وهو: ما الذي يرتفع؟ هل هو جهالة العين أو جهالة الحال؟

ظاهر كلام أبي حاتم عندما قال: وإن كان مجهولاً نفعه رواية الثقة عنه أنها تقوي حاله، والذي يظهر لي أن الذي تقوي حاله ويوثق من هذا النوع إذا كان الراوي عنه من أهل التحري والتدقيق كمن صرح أنه لا يروي إلا عن ثقة أو نُص أو اشتهر على أنه لا يروي إلا عن ثقة، ولعل هذا هو مراد أبي حاتم. وقد سأل أبو داود الإمام أحمد رحمه الله تعالى فقال: إذا روى يحيى – يعني ابن سعيد القطان – أو عبدالرحمن بن مهدي عن رجل مجهول يحتج بحديثه؟ قال: يحتج بحديثه (). وروى أيضاً في سؤالات أبي داود: سمعت أحمد قال: عثمان بن غياث ثقة أو قال: لا بأس به ولكنه مرجئ، حدث عنه يحيى، ولم يكن يحدث إلا عن ثقة (). وفيه أيضاً سمعت أحمد قال: أبان بن خالد شيخ بصري لا بأس به، كان عبدالرحمن – يعني ابن المهدي – يحدث عنه وكان لا يحدث إلا عن ثقة ().

قال ابن رجب: والمنصوص عن أحمد يدل على أنه من عرف منه أنه لا يروي إلا عن ثقة، فروايته عن إنسان تعديل له، ومن لم يعرف منه ذلك فليس بتعديل. ثم نقل ابن رجب الروايات عن أحمد فيمن لا يروي إلا عن ثقة، فذكر يحيى بن سعيد وابن مهدي وذكر منهم الإمام مالك حيث قال الإمام أحمد: ما رووى مالك عن أحد إلا وهو ثقة، وكل من روى عنه مالك فهو ثقة.

وقول يحيى بن معين: لا تريد أن تسأل عن رجال مالك، كل من حدث عنه ثقة إلا رجل أو رجلين ().

وممن كان لا يروي إلا عن ثقة إلا في النادر غير ما سبق: الإمام أحمد، وبقي ابن مخلد وحريز بن عثمان، وسليمان بن حرب وشعبة ()، ومنهم ابن معين والبخاري ومسلم والنسائي وأبو زرعة وغيرهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير