فتبين بهذا أنه قد أخطأ من أطلق من المتأخرين رد رواية مجهول العين مطلقاً بل هو على التفصيل السابق، وقد عمل بهذا الحافظ ابن حجر فقال في التهذيب في ترجمة أحمد بن نفيل السكوني الكوفي: روى عن حفص بن غياث وعنه النسائي وقال: لا باس به. وقال الذهبي: مجهول. قلت (الحافظ): بل هو معروف، يكفيه رواية النسائي عنه (). فاعتبر رواية النسائي وحده كافية في رفع جهالة عينه، ثم قوله: لا بأس به ترفع جهالة حاله.
وقال في ترجمة أحمد بن يحيى الحراني: وقال الذهبي في الطبقات: أحمد بن يحيى بن محمد لا يعرف، قلت: بل يكفي في رفع جهالة عينه رواية النسائي عنه، وفي التعريف بحاله توثيقه له (). وهذا يدل على أن ابن حجر رحمه الله يرى زوال الجهالة برواية واحد من الأئمة مع تزكيته وأيد هذا ابن الوزير والصنعاني رحمه الله ()، ويوجد في التهذيب والميزان أدلة غير التي ذكرت.
وأنبه إلى أن الذهبي رحمه الله رغم ما سبق إلا أنه يتساهل في رواية المجهولين من كبار التابعين، فقد قال في كتابه (ديوان الضعفاء): وأما المجهولون من الرواة فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه وتلقي بحسن الظن إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ، وإن كان الرجل من صغار التابعين فيتأنى في رواية خبره ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي عنه وتحريه وعدم ذلك، وإن كان المجهول من أتباع التابعين فمن بعدهم فهو أضعف لخبره لاسيما إذا انفرد به ().
وممن تساهل في المجهولين من القدماء: الإمام ابن حبان كما هو معروف من مذهبه، فإنه نص على أن المسلم ممن لم يعرف بجرح فهو عدل إذا لم يتبين ضده إذ لم يكلف الناس معرفة ما غاب عنهم ().
وبهذا المذهب وثق ابن حبان كثيراً من المجهولين المستورين () الذين يصرح هو أحياناً بأنه لا يعرفهم، ولذلك نجد كثيراً ممن قال عنه الذهبي وابن حجر: مجهول أو لا يعرف أو مستور، ونجد ابن حبان رحمه الله ذكره في الثقات لكن ليس كل من ذكره ابن حبان في الثقات مجهول كما هو معلوم، بل أحياناً يصرح بالتوثيق أو يكون ذلك الراوي من شيوخه الذين عرفهم وخبرهم، وقد فصل في هذه المسألة المعلمي رحمه الله في التنكيل.
وقريب من ابن حبان الحاكم رحمه الله في كتابه المستدرك حيث ذكر قريباً مما ذكره ابن حبان ()، كما أنه أورد في المستدرك أحاديث، ومع ذلك قال: فيه فلان لا أعرفه بعدالة ولا جرح ().
مبحث:
مسألة: رواية الثقة أو الثقات عن الراوي هل تعدّ تعديلاً له؟
أما إن كان الراوي الثقة ليس من أهل التحري ولا يشترط أن يروي عن ثقة فروايته لا تعتبر توثيقاً فنصوصهم تدل على أن رواية الثقة عن رجل لا تدل على توثيقه، والسبب في ذلك أنهم كانوا يروون عن الضعفاء إما لقصد المعرفة والكشف عن روايتهم أو لغير ذلك من الأغراض. وقد سبق اعتراض ابن أبي حاتم بأن الثوري روى عن الكلبي وهو ضعيف، وقول يحيى ابن معين إن سماك بن حرب وأبا إسحاق يروون عن المجاهيل. وقد ذكر العقيلي بإسناد له عن الثوري قال: إني لأروي الحديث على ثلاثة أوجه: أسمع الحديث من الرجل أتخذه ديناًوأسمع الحديث من الرجل أوقف حديثه، وأسمع الحديث من الرجل لا أعبأ بحديثه وأحب معرفته ().
قال ابن رجب رحمه الله: رواية الثقة عن رجل لا تدل على توثيقه، فإن كثيراً من الثقات رووا عن الضعفاء كسفيان الثوري وشعبة وغيرهما، وكان شعبة يقول: لو لم أحدثكم إلا عن الثقات لم أحدثكم إلا عن نفر يسير، قال يحيى القطان: إن لم أرو إلا عمن أرضى ما رويت إلا عن خمسة أو نحو ذلك ()، وقال في موضع آخر عندما تكلم عن مسألة جواز الرواية عن الضعفاء، قال: وكذلك من بعدهم من أئمة المسلمين قرناً بعد قرن وعصراً بعد عصر إلى عصرنا هذا لم يخل حديث إمام من أئمة الفريقين عن مطعون فيه من المحدثين، وللأئمة في ذلك غرض ظاهر، وهو أن يعرفوا الحديث من أين مخرجه والمنفرد به عدل أو مجروح ().
كذالك مما يوثق ممن يدخل في اصطلاح المجهول ما احتج به البخاري ومسلم أو أحدهما فصححا له فإن هذا توثيق ضمني له إذ التصحيح فرع التوثيق، أو نقول كما قال شيخنا الشيخ المحديث أحمد معبد عبد الكريم - محقق النفخ الشذي لابن سيد الناس – قال: إن هذا توثيق عملي، فهذا النوع من الرواة محتج بهم.
¥