تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقول أبو عيسى الترمذي في العلل: ((وقد تكلم بعض أهل الحديث في قوم من جلة أهل العلم وضعفوهم من قبل حفظهم، ووثقهم آخرون لجلالتهم وصدقهم وإن كانوا قد وهموا في بعض ما رووا.وقد تكلم يحيى بن سعيد القطان في محمد بن عمرو ثم روى عنه، ثم روى الترمذي عن علي بن المديني أن يحيى بن سعيد لم يرو عن شريك ولا عن أبي بكر بن عياش ولا عن الربيع بن صبيح ولا عن المبارك بن فضالة، ثم قال الترمذي: وهؤلاء الذين تركهم يحيى بن سعيد القطان حدث عنهم عبدالله بن المبارك ووكيع بن الجراح وعبدالرحمن بن مهدي وغيرهم من الأئمة ().

وذكر ابن رجب رحمه الله في شرحه أن هذا - يعني الرواية عنهم - رأي سفيان وأكثر أهل الحديث المعنيين منهم في السنن والصحاح كمسلم بن الحجاج وغيره، فإنه ذكر في مقدمة كتابه () أنه لا يخرج حديث من هو متهم عند أهل الحديث ولا من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط، وذكر قبل ذلك أنه يخرج حديث أهل الحفظ والإتقان وأنهم على ضربين أحدهما: من لم يوجد في حديثه اختلاف شديد ولا تخليط فاحش، والثاني: من هو دونهم في الحفظ والإتقان ويشملهم اسم الصدق والستر وتعاطي العلم كعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد وليث بن أبي مسلم، قيل إنه أدركته المنية قبل تخريج حديث هؤلاء، وقيل: إنه خرّج لهم في المتابعات وذلك مراده، وعلى هذا المنوال الشيخ أبو داود والنسائي والترمذي مع أنه خرّج لبعض ممن هو دون هؤلاء وبين ذلك ولم يسكت عنه، وإلى طريقة يحيى بن سعيد يميل علي بن المديني والامام البخاري ().وروى العقيلي عن عبدالرحمن بن مهدي قال: الناس ثلاثة (رجل حافظ متقن فهذا لا يختلف فيه، وآخر متهم والغالب على حديثه الصحة فهذا لا يترك حديثه، وآخر متهم والغالب على حديث الوهم فهذا يترك حديثه ().

وروى الخطيب في الكفاية عن سفيان الثوري قال: ليس يفلت من الغلط أحد، إذا كان الغالب على الرجل الحفظ فهو حافظ وإن غلط، وإذا كان الغالب عليه الغلط ترك ().

أقول: وهؤلاء الممثل بهم إذا رأيت عمل الأئمة وجدتهم يخرجون لهم، فمحمد بن عمرو الذي تكلم فيه يحيى خرّج له البخاري رحمه الله مقروناً بغيره ومسلم في المتابعات واحتج به أصحاب السنن ()، وكذلك عبدالرحمن بن حرملة أخرج له مسلم وكان القطان يضعفه ولا يرضاه وكان يقول: كنت سيء الحفظ فسألت سعيد بن المسيب فرخص لي في الكتاب ()، وشريك هو ابن عبدالله النخعي أخرج له مسلم مقروناً بغيره وكان كثير الوهم لاسيما بعد أن ولي القضاء ()، وأبو بكر بن عياش المقرئ أخرج له البخاري رحمه الله وهو رجل صالح لكنه كثير الوهم ().

وأما الربيع بن صبيح ومبارك بن فضالة فلم يخرجا لهما في الصحيح، وقد وثقا وتكلم فيهما ()، ونحو هؤلاذكره الترمذي رحمه الله بعد ذلك حيث قال: ((وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي صالح ومحمد بن إسحاق وحماد بن سلمة ومحمد بن عجلان، وأشباه هؤلاء من الأئمة إنما تكلموا فيهم من قبل حفظهم في بعض ما رووا وقد حدث عنهم الأئمة)) ().

فهؤلاء أيضاً خرّج لهم مسلم ولبعضهم البخاري رحمهم الله لكن كما أشرت أن الأئمة ينتقون من روايات هؤلاء أجودها، قال ابن رجب رحمه الله: والترمذي يخرج حديث الثقة الضابط ومن يهم قليلاً، ومن يهم كثيراً أو من يغلب عليه الوهم يخرّج حديثه نادراً يبين ذلك ولا يسكت عنه، وأبو داود قريب من الترمذي في هذا بل هو أشد انتقاء للرجال منه، وأما النسائي فشرطه أشد من ذلك ولا يكاد يخرج لمن يغلب عليه الوهم ولا عمن فحش خطؤه وكثر وأما مسلم فلا يخرّج إلا حديث الثقة الضابط، ومن في حفظه شيء تكلم فيه لحفظه لكنه يتحرى في التخريج عنه ولا يخرج عنه إلا ما لا يقال إنه مما وهم فيه، وأما البخاري فشرطه أشد في ذلك وهو أنه لا يخرج إلا الثقة الضابط ولمن ندر وهمه وإن كان قد اعترض عليه في بعض من خرّج عنه ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير