تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد - في رده على ابن القطان عندما عاب على مسلم الاحتجاج بـ مطر الوراق - وقال: كان يشبهه في سوء الحفظ محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى فقال ابن القيم: ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه؛ لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه، كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه فغلط في هذا المقام من استدرك عليه إخراج جميع حديث الثقة، ومن ضعف جمع حديث سيء الحفظ فالأولى طريقة الحاكم وأمثاله، والثانية طريقة أبي محمد بن حزم وأشكاله، وطريقة مسلم هي طريقة أئمة هذا الشأن، والله المستعان ().

أقول: وهذا كلام جيد محقق يتبين به طريقة المتقدمين في الرواية عمن تكلم فيه، ونحو هذا الكلام قال ابن القيم في جزء له في فوائد في الكلام على حديث الغمامة قال: وقد روى الحاكم حديث عبدالرحمن بن غزوان هذا في المستدرك وقال: ((هو على شرط مسلم)) وليس كما قال فإن مسلماً إذا احتج بثقة لم يلزمه تصحيح جميع ما رواه ويكون كل ما رواه على شرطه، فإن الثقة قد يغلط ويهم ويكون الحديث من حديثه معلولاً علة مؤثرة فيه مانعة من صحته، فإذا احتج بحديث من حديثه غير معلول لم يكن الحديث المعلول على شرطه، والله أعلم ().

أقول: وبناءً على هذا فلا يجزم بصحة ما قيل فيه رجاله رجال الصحيح أو على شرط الصحيح حتى ينظر فيه واتصاله وخلوه من الشذوذ والنكارة والعلة. والله أعلم.

المبحث الثالث: المسائل المتعلقة باتصال السند:

المسألة الأولى: هل يكفي في الاتصال بين الراويين المعاصرة أم لا بد من ثبوت اللقاء؟

هذه المسألة المشهورة بين الإمامين البخاري ومسلم، فمن المعلوم أن الإمام مسلم شنّع في مقدمة صحيحه على من اشترط ثبوت اللقاء ورأى الاكتفاء بالمعاصرة وقصد بذلك الرد على علي بن المديني وقيل إنه أراد البخاري ()، وقيل إنه أراد بذلك بعض أقرانه أو من دونه ().

وعلى كلٍّ فالمقصود القول لا القائل، فالبخاري رحمه الله يشترط ثبوت اللقاء ولو مرة واحدة والتزم ذلك في صحيحه، ومسلم رحمه الله يقبل الحديث المعنعن بين متعاصرين أمكن لقاؤهما وسلم المعنعِن من التدليس، والمسألة تكلم فيها العلماء قديماً وحديثاً بل ألفت فيها المؤلفات ككتاب السنن الأبين في المحاكمة بين الإمامين البخاري ومسلم في السند المعنعن () لابن رشيد الفهري، وهو كتاب قيّم عرض فيه مؤلفه المسألة ورجح فيه قول البخاري وأجاب على أدلة مسلم التي استدل بها في مقدمة صحيحه بأجوبة مقنعة لمن قرأها. وذكر ابن رشيد في كتابه أن قول البخاري هو قول كثير من المحدثين () وكذا رجح قول البخاري ابن الصلاح فقال: والذي صار إليه مسلم هو المستنكر وما أنكره قد قيل إنه القول الذي عليه أئمة هذا العلم علي ابن المديني والبخاري وغيرهما ()، ونحو هذا قال النووي في شرحه لمسلم () ونسبه العلائي لأكثر الأئمة ()، وقال ابن رجب: ((وأما جمهور المتقدمين فعلىما قاله ابن المديني والبخاري وهو القول الذي أنكره مسلم على من قاله)) ().

ثم قرر ابن رجب هذا بأمثلة وأدلة كثيرة تدل على أنه قول المتقدمين، وذكر رحمه الله أن كثيراً من العلماء المتأخرين على ما قاله مسلم رحمه الله ... قال: وهو ظاهر كلام ابن حبان وغيره، وقد حكى بعض أصحابنا عن أحمد مثله، لكن ابن رجب رحمه الله رجح قول البخاري وردّ على مسلم دعوى الإجماع على قوله وأجاب على بعض أدلته ().

وقد رجح قول مسلم جماعة من الأئمة كابن جماعة في المنهل الروي حيث رجحه ونسبه لجماهير العلماء () وصححه ابن كثير وقال: عليه العمل ().

أقول: وهو الذي جرى عليه عمل كثير من المحدثين المعاصرين كأحمد شاكر والألباني () رحمهما الله تعالى، ولست بصدد التوسع في هذه المسألة فقد ألفت فيها مؤلفات كما أسلفت وقد جمعت فيها رسالة ماجستير للشيخ خالد بن منصور الدريس وفقه الله، وقد علمت عنها أثناء البحث فوقفت عليها وقرأت بعضها وهي قيّمة وفيها فوائد جليلة، والمقصود هنا التنبيه على بعض الأمور المهمة التي وقع التساهل بها في هذا الباب منها:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير