تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ظاهر نقل من تكلم في هذه المسألة أن المراد الاحتجاج بها بمفردها، وتأول الخطيب البغدادي رحمه الله ما ورد عن الشافعي أن إرسال سعيد بن المسيب حسن بأن ذلك إذا اعتضدت قال: لا أنها تقبل بانفرادها لأنه وجد لسعيد بن المسيب عدة مراسيل لم تعرف مسنده () لكن العلائي رحمه الله رجح الأول، وأن مقصود الشافعي في قبول مرسل ابن المسيب بمفرده ().

والذي يظهر لي أن هذا النوع من المراسيل أن الأئمة القدماء إنماحكموا عليها بالصحة والحسن بعد اعتبارها وتتبعها ووجود ما يشهد لها عندهم، فنحن نقبلها اتباعاً لهم، والله أعلم.

2 - المراسيل تتفاوت صحة وضعفاً، وهذا أمر يكثر في كتب المراسيل يفاضلون بينها، وأسباب التفاوت كما ذكر ابن رجب يدور على أربعة أسباب:

أحدها: أن من عرفت روايته عن الضعفاء ضعف مرسله بخلاف غيره.

ثانيها: أن من عرف له سند صحيح إلى من أرسل عنه فإرساله خير ممن لم يعرف له ذلك.

ثالثها: أن من قوي حفظه يحفظ كل ما يسمعه ويثبت في قلبه ويكون منه ما لا يجوز الاعتماد عليه بخلاف من لم يكن له قوة في الحفظ.

رابعها: أن الحافظ إذا روى عن ثقة لا يكاد يترك اسمه، فإذا ترك اسمه دلّ إبهامه على أنه غير مرضي ().

3 - المتقدمون من المحدثين يطلقون المرسل على كل ما لم يسمعه الراوي عمن فوقه ورواه عنه، فيطلق عندهم على كل انقطاع بين راويين. قال عبدالله بن الإمام أحمد: قال أبي: ما سمع سفيان الثوري من أبي عون غير هذا الحديث - يعني حديث الوضوء مما مست النار - والباقي يرسلها عنه (). فقد سمى الإمام أحمد الرواية المنقطعة مرسلة، ويكثر في استعمالهم أن يقولوا: أرسله فلان. وكتب المراسيل والعلل مليئة بهذا الاستعمال، أما المتأخرون ممن ألّف في المصطلح فقد خصصوا المراسيل برواية التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو ما سقط منه الصحابي والأول أدق.

4 - يجب على من يدرس الأسانيد العناية بهذا الباب، فقد يجد في السند رجلاً ذكر في ترجمته أنه يرسل أو كثير المراسيل، فعليه النظر في عنعنته فقد يكون لم يلق من فوقه فيكون الحديث منقطعاً لا يصح فيأتي من يصححه بناءً على الظاهر، فالأسلم في هذا مراجعة كتب المراسيل كـ (جامع التحصيل) وغيره.

المدلس:

والتدليس أنواع كثيرة أشار إلى بعضها ابن حجر في النكت ()، وفي كتابه تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس وليس المجال لذكرها ولكن أبرزها تدليس الإسناد وهو المراد عند الإطلاق وهو أخص من المرسل كما هو معلوم، فهو رواية الراوي عمن لقيه وسمع منه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم وهذا هو أشهر أنواع التدليس، بينما المرسل رواية الراوي عمن لم يلقه وأخص منه ما ذكره بعض المحدثين كابن حجر وهو المرسل الخفي وهو رواية الراوي عمن عاصره ولم يسمع منه ()، لكن كثيراً من المتقدمين يطلقون على هذا تدليساً بل جعله الحاكم من أجناس التدليس فقال: ((والجنس السادس من التدليس قوم رووا عن شيوخ لم يروهم قط ولم يسمعوا منهم ... )) ().

وهذا الاختلاف ترتب عليه اختلاف بين المتقدمين والمتأخرين، فبعض المتأخرين رتبوا على إطلاق بعض المتقدمين على هذا النوع تدليساً أن وصفوا بعض الرواة بالتدليس ومن ثم لم يقبلوا عنعنتهم مطلقاً، وإذا علمت أن بعض المحدثين يستجيزون الإرسال لأغراض شتى أشار إليها ابن رجب والعلائي عرفت خطأ هذه النتيجة، فالمرسل إنما يرد حديثه فيمن أرسل عنه بينما تقبل عنعنته فيمن ثبت سماعه له، ومن هذا القبيل الحسن البصري () والإمام الزهري فلينتبه لهذا فلا يكتفى بالرجوع لكتب المتأخرين فقط.

ولعلي لا أطيل في هذا المبحث، فقد كتب فيه أحد طلاب العلم وهو الشيخ/ ناصر الفهد كتاباً قرأته واستفدت منه وفيه فوائد جمّة أنصح بقراءته لمعرفة تعامل القدماء مع المدلسين، لكني باختصار أنبه إضافة لما سبق على بعض الأمور:

1 - أن روايات المدلسين في الصحيحين محمولة على السماع كما قال طائفة من أهل العلم لأن الأمة تلقت أحاديثهما بالقبول كما ذكر ذلك ابن الصلاح وغيره، يقول النووي: ((وما كان في الصحيحين وشبههما عن المدلسين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير