تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (11\ 23) معلّقاً على مقولة ابن يونس: «فيكون (أي قتيبة) قد غلط في الإسناد وأتى بلفظٍ مُنكَرٍ جداً». ثم قال: «يَرَوْنَ (أي علماء الحديث) أن خالداً المَدَائِنِيَّ ادخَلهُ على الليثِ، وسمِعه قتيبةُ معهُ، فالله اعلم. قلت (الكلام للذهبي): هَذَا التقرير يؤدي إلى أن الليث كَانَ يقبلُ التلقين، ويروي ما لَمْ يَسْمَع. وما كَانَ كذلك، بَلْ كَانَ حُجةً متثبّتاً، وإنما الغفلةُ وقعت فِيْهِ من قتيبة، وَكَانَ شيخ صِدقٍ، قَدْ رَوَى نحواً من مئة ألفٍ، فيغتفر لَهُ الخطأ في حَدِيْث واحدٍ».

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب (8\ 322): «وما اعتمده الحاكم –من الحكم على ذلك بأنه موضوع– ليس بشيء (!!). فإن مقتضى ما استأنس به من الحكاية التي عن البخاري أن خالداً أدخل هذا الحديث عن الليث. ففيه نسبة الليث مع إمامته وجلالته إلى الغفلة، حتى يُدْخِل عليه خالد ما ليس من حديثه. والصواب ما قاله أبو سعيد بن يونس، أن يزيد بن أبي حبيب غَلَطٌ من قتيبة، وأن الصحيح عن أبي الزبير. وكذلك رواه مالك وسفيان عن أبي الزبير عن أبي الطفيل. لكن في متن الحديث الذي رواه قتيبة التصريح بجمع التقديم في وقت الأولى، وليس ذلك في حديث مالك. وإذا جاز أن يغلط في رجُلٍ من الإسناد، فجائز أن يغلط في لفظةٍ من المتن. والحكم عليه –مع ذلك– بالوضع، بعيدٌ جداً. والله أعلم».

نلاحظ فتور ابن حجر في الحكم على الحديث الموضوع بالوضع، كما قال أحمد الغماري في "المغير" (ص7): «الحافظ (ابن حجر) وشيخُه العراقي متساهلان في الحكم للحديث، ولا يكادات يُصرّحان بوضعِ حديثٍ إلا إذا كان كالشمس في رابعة النهار». كما نلاحظ أن منهج الحافظَين الذهبي وابن حجر ليس بعيداً عن منهج المتقدمين. وعلى الرغم من تأثرهما كثيراً بمناهج المتأخرين، فإن حالهما أفضل بكثير من باقي المتأخرين. فهما هنا قد قبلا تضعيف المتقدمين للحديث. واختارا من أقوالهم القول الأقرب لمنهجهما. ولنا مع كلامهما وقفتان.

الوقفة الأولى أنه ليس من المستحيل أن ينجح ابن نجيح بإدخال حديث واحدٍ على الليث، وهذا لو حصل لكشفه النقاد فوراً وأذاعوه. لكنهما رفضا هذه النتيجة لأن منهج المتأخرين يميل إلى إسقاط الراوي إذا تلقن، فنزها الليث عن هذا. مع أن هذا في الواقع لا يعني أن الليث يقبل التلقين. قال أحمد بن محمد بن سليمان التستري: «سألت أبا زرعة الرازي عن حديث زهرة بن معبد، عن سعيد بن المسيب، عن جابر، عن النبي ? في "الفضائل"، فقال: هذا حديث باطل، كان خالد بن نجيح المصري وضعه ودلسه في كتاب الليث. وكان خالد بن نجيح هذا يضع في كتب الشيوخ ما لم يسمعوا ويدلس لهم. وله غير هذا». اهـ من "تهذيب الكمال" (15\ 105).

الوقفة الثانية أنه ليس في كلام البخاري أن ابن نجيح أدخل هذا الحديث على الليث، وإلا لحدث به عنه أكثر من واحد. ويبدو أن ابن نجيح أملاه على قتيبة نفسه، وكان ابن نجيح بارعاً في هذا العمل الخبيث. والذي تسبب في تردد المتأخرين في هذه القضية هو تصريح قتيبة بالسماع (كما ستجده في كلام ابن القيم). فكيف أدخل ابن نجيح هذه الحديث عليه؟ والجواب أن قتيبة –ككثير غيره من حفاظ زمانه– كان يعتمد على كتابه. وكانت مجالس السماع عند مشاهير الرواة مزدحمة. فقد لا يسمع كلمة، فيمليها عليه شخص آخر عند الكتابة. وهذا أمر كان يعرفه المتقدمون لأنه واقع يعيشونه. أما المتأخرون فلربما غفلوا عنه.

ومن هنا نعرف العبقرية في سؤال البخاري لقتيبة: «مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل؟». فالبخاري لا يسأل من أدخل الحديث على الليث، لأنه لو حصل ذلك فمن أين لقتيبة أن يعرف؟ لكنه يسأل قتيبة من الذي أملى عليك هذا الحديث. لذلك أجابه قتيبة: «كتبته مع خالد المدايني». فأجاب البخاري إجابة مختصرة لكنها معبرة: «وكان خالد المدايني يدخل الأحاديث على الشيوخ».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير