وفي منتقى الأخبار رواه أحمد ومسلم وأبوداود والنسائي، وأورد الحافظ عبد الحق الإشبيلي في (الأحكام الصغرى) هذين الحديثين متواليين إلا أنه قدم حديث
(الروحاء) على حديث (خثعم) عكس ما فعل مسلم.
وقد نبه على هذا الغلط الدكتور محمد المختار بن شيخنا الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الجكني في تحقيقه لشرح شيخ شيوخنا محمد الأمين بن أحمد زيدان
لمراقي السعود ويبدو أنه أول من تنبه له فبارك الله فيه وجزاه خيرا وأكثر في المسلمين من أمثاله.
وفي صحيح مسلم في كتاب الحدود
ــــــــــــ
((ثم جاءت امرأة من غامد من الأزد فقالت يارسول الله طهرني)) إلخ
فقال النووي في شرحه جاءت امرأة من غامد هي بغين معجمة ودال مهملة وهي بطن من جهينة.
وفي شرح الأبي
ــــــــ
قوله ثم جاءت امرأة من غامد من الأزد (ع) أي قال عياض الغامدية بالغين المعجمة والدال وغامد قبيلة من جهينة ومن قالها بالعين المهملة والراء فقد أخطأ وصحف.
وفي بلوغ المرام
ـــــــــ
وعن عمران بن حصين أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى فقالت يا نبي الله أصبت حدا ... الحديث، فقال الصنعاني في سبل السلام عند قوله من جهينة هي المعروفة بالغامدية، وذكر صاحب منتقى الأخبار
حديث (جاءت امرأة من غامد من الأزد الخ وحديث (أن امرأة من جهينة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ فقال الشوكاني في نيل الأوطار عند شرح الحديثين وما معهما: قوله من غامد: بغين معجمة ودال مهملة لقب رجل هو أبوقبيلة وهم بطن من جهينة، ولهذا وقع في حديث عمران بن حصين المذكورة امرأة من جهينة وهي هذه إلخ
فهؤلاء كلهم قرروا أن غامدا بطن من جهينة وهذا لا أساس له فالمعروف عند النسابين أن غامدا بطن من الأزد وجهينة قبيلة من قضاعة، ومن الطريف أن غامدا مازالت بقاياهم إلى اليوم في ديارهم التي كانوا فيها في العهد النبوي مع فروع أخرى من الأزد وتقع في جنوب المملكة العربية السعودية في منطقة الباحة
التي أخبرني بعض الثقات أنها تبعد من الطائف جنوبا نحو200كلم، كما أن جهينة مازالت بقاياهم في ديارهم التي كانوا بها في ذلك العهد وهي: ينبع وما جاوره، ومن أعجب العجب أن رواية مسلم لم تترك مجالا لهذا الغلط لأن لفظه:
((امرأة من غامد من الأزد)) فكأن قوله من الأزد سقط من نسخهم جميعا
مع أن هذا من أبعد البعيد، ويترتب على ما قالوه أن القصة واحدة مع أنهما قصتان وسياقهما مختلف. وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام
ـــــــــــــــ
وعن عبد الله بن أبي بكر ((أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن لا يمس القرءان إلا طاهر)) رواه مالك مرسلا،
فقال الصنعاني في سبل السلام في ترجمة الراوي: هو عبد الله بن أبي بكر الصديق، أمه وأم أسماء واحدة إلخ.
وهذا عجيب فإن عبد الله الذي روى عنه مالك هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم الأنصاري وهو من أشهر أشياخ مالك وهو من رجال الكتب الستة وعمرو بن حزم صاحب الكتاب جد أبيه كما رأيت، ولوكان الراوي للحديث عبد الله بن أبكر الصديق ما كان الحديث مرسلا بالمعنى المشهور عند أهل الحديث مع أنه لا تكاد توجد له رواية، ولعل ذلك لتقدم وفاته لأنه توفي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بقليل في حياة أبيه، وقد ذكر ابن حجر في آخر ترجمته من الإصابة أن بعضهم روى عنه حديثا في إسناده نظر فانظره.
ولما أورد الأشموني في شرح ألفية ابن مالك في باب النسب هذا البيت مستشهدا به وهو: ويسقط بينها المرئيَّ لغوا ***** كما ألغيت في الدية الحوارا
قال العلامة الصبان في حاشيته: قال البعض ليس بنظم وانظر ضبطه ومعناه فإني لم أقف عليه هـ لكن وجد في بعض النسخ على وجه كونه نظما من بحر الوافر
ولفظه: ويسقط منهما المرئي لقوا ****** كماء العنب في الدبة الحواء
بضمير التثنية في (منهما) وضبط (لقوا) كغزو وسكون نون (العنب) وتخفيف باء
(الدبة) وواو (الحواء) انتهى المراد منه.
فقدخفي على الصبان والبعض الذي أشار إليه هذا البيت مع أنه من شعرمشهور
لشاعر مشهور وهو ذوالرمة، وقد قال هذا الشعر يهجو به هشاما المرئي، وذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني أن جريرا ساعد ذا الرمة بالأبيات التي منها هذا البيت وهي:
يعدّ الناسبون إلى تميم ***** بيوت المجد أربعة كبارا
يعدون الرباب وءال سعد ***** وعمرا ثم حنظلة الخيارا
ويهلك بينها المرئي لغوا ***** كما ألغيت في الدية الحوارا
وبهذا يتبيَّنُ أن الغلط لا يسلم منه إلا من كان معصوما وقد قال الله تعالى
في كتابه العزيز {ولوكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلفا كثيرا} ولهذا لا أستبعد أن يكون فيما ذكرته هنا بعض الغلط ولكن نرجو من الله سبحانه أن لا يكون غلطا فاحشا، وما توفقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
قاله وكتبه لإحدى عشرة خلت من شوال سنة 1415هـ
محمد عبد الله بن الصديق
¥