تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والحكم الشرعي تعلق بالاسم الدال على الواقع، فما وقع من دم فهو حيض إذا لم يعلم أنه دم عِرْق أو جرح؛ فإن الدم الخارج؛ إما أن ترخيه الرحم، أو ينفجر من عرق من العروق، أو من جلد المرأة، أو /لحمها، فيخرج منه. وذلك يخرج من عروق صِغَار، لكن دم الجرح الصغير لا يسيل سَيْلاً مستمرًا كدم العرق الكبير؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: (إن هذا دم عرق وليست بالحيضة). وإنما يسيل الجرح إذا انفجر عرق كما ذكرنا فَصْدَ الإنسان؛ فإن الدم في العروق الصغار والكبار.

فَصْل

والنبي صلى الله عليه وسلم قد أمر أمته بالمسح على الخفين، فقال صَفْوان بن عَسَّال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفرًا أو مسافرين ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم. ولم يقيد ذلك بكون الخف يثبت بنفسه أو لا يثبت بنفسه، وسليمًا من الخرق والفتق أو غير سليم، فما كان يسمي خفًا، ولبسه الناس ومشوا فيه مسحوا عليه المسح الذي أذن الله فيه ورسوله، وكلما كان بمعناه مسح عليه، فليس لكونه يسمي خفًا معني مؤثر بل الحكم يتعلق بما يلبس ويمشي فيه؛ ولهذا جاء في الحديث المسح على الجَوْرَبَين.

فَصْل

واللّه ورسوله عَلَّق القصر والفِطْرَ بمسمي السفر ولم يحده بمسافة، ولا فَرَّق بين طويل وقصير، ولو كان للسفر مسافة محدودة لبينه اللّه ورسوله، ولا له في اللغة مسافة محدودة، فكل ما يسميه أهل اللغة سفرًا، فإنه يجوز فيه القصر والفطر كما دل عليه الكتاب والسنة، وقد قصر أهل مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى عرفات، وهي من مكة بَرِيد، فعلم أن التحديد بيوم أو يومين أو ثلاثة ليس حدًا شرعيًا عامًا. وما نقل في ذلك عن الصحابة قد يكون خاصًا، كان في بعض الأمور لا يكون السفر إلا كذلك؛ ولهذا اختلفت الرواية عن كل منهم كابن عمر وابن عباس، وغيرهما، فعلم أنهم لم يجعلوا للمسافر ولا الزمان حدًا شرعيًا عامًا، كمواقيت الصوم والصلاة، بل حدوه لبعض الناس بحسب ما رأوه سفرًا لمثله في تلك الحال، وكما يحد الحادُّ الغني والفقير في بعض الصور بحسب ما يراه، لا لأن الشرع جعل للغني والفقير مقدارًا من المال يستوي فيه الناس كلهم، بل قد يستغني الرجل بالقليل وغيره لا يغنيه أضعافه؛ لكثرة عياله وحاجاته، وبالعكس.

وبعض الناس قد يقطع المسافة العظيمة ولا يكون مسافرًا، كالبريد /إذا ذهب من البلد لتبليغ رسالة أو أخذ حاجة ثم كَرَّ راجعًا من غير نزول. فإن هذا لا يسمي مسافرًا، بخلاف ما إذا تزود زاد المسافر، وبات هناك، فإنه يسمي مسافرًا، وتلك المسافة يقطعها غيره، فيكون مسافرًا يحتاج أن يتزود لها، ويبيت بتلك القرية ولا يرجع إلا بعد يوم أو يومين، فهذا يسميه الناس مسافرًا، وذلك الذي ذهب إليها طَرْدًا وكر راجعًا على عَقِبِه لا يسمونه مسافرًا، والمسافة واحدة.

فالسفر حال من أحوال السير لا يحد بمسافة ولا زمان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى قباء كل سبت راكبًا وماشيًا ولم يكن مسافرًا، وكان الناس يأتون الجمعة من العَوَالى والعَقيقِ ثم يدركهم الليل في أهلهم ولا يكونون مسافرين، وأهل مكة لما خرجوا إلى منى وعرفة كانوا مسافرين، يتزودون لذلك، ويبيتون خارج البلد، ويَتَأَهَّبُون أُهْبَةَ السفر، بخلاف من خرج لصلاة الجمعة أو غيرها من الحاجات، ثم رجع من يومه ولو قطع بريدًا، فقد لا يسمى مسافرًا.

وما زال الناس يخرجون من مساكنهم إلى البساتين التي حول مدينتهم، ويعمل الواحد في بستانه أشغالًا من غَرْسٍ وسَقْىٍ، وغير ذلك، كما كانت الأنصار تعمل في حيطانهم ولا يسمون مسافرين، ولو أقام أحدهم طول النهار، ولو بات في بستانه وأقام فيه أيامًا، ولو كان البستان أبعد من بريد، فإن البستان من توابع البلد عندهم، والخروج / إليه كالخروج إلى بعض نواحى البلد، والبلد الكبير الذي يكون أكثر من بريد متى سار من أحد طرفيه إلى الآخر لم يكن مسافرًا؛ فالناس يفرقون بين المتنقل في المساكن وما يتبعها، وبين المسافر الراحل عن ذلك كله، كما كان أهل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم يذهبون إلى حوائطهم ولا يكونون مسافرين، والمدينة لم يكن لها سور بل كانت قبائل قبائل، ودورًا دورًا، وبين جانبيها مسافة كبيرة، فلم يكن الراحل من قبيلة إلى قبيلة مسافرًا، ولو كان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير