تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن من يُلقي نظرة على مستدرك أبي عبد الله الحاكم يعرف تساهله الذي جعله يصحح عدداً من الأحاديث الموضوعة والضعيفة، وهذا ما جعل نكير العلماء يشتد عليه، بالإضافة إلى ما أخذوه عليه من ذكره لجماعة من الرواة في كتابه "الضعفاء"، وجزمه بترك الرواية عنهم وترك الاحتجاج بهم، ثم يُخرج بعد ذلك أحاديث بعضهم في المستدرك ويصححها؛ ولذلك أنتقد العلماء تصحيحه.

يقول الخطيب البغدادي – رحمه الله –: "أنكر الناس على الحاكم أحاديث زعم أنها على شرط الشيخين".

ويقول ابن الصالح: " وهو واسع الخطو في شرط الصحيح، متساهل في القضاء الفن من شيخه الحاكم ".

ويقول الذهبي عنه: "إنه إما صدوق، ولكنه يصحح في مستدركه أحاديث ساقطة، ويكثر من ذلك".

ومن هناك جاء الاستدراك والتعقب على تصحيحه لبعض الأحاديث في المستدرك، كما فعل الذهبي في تلخيصه، وابن الملقن في مختصر التلخيص.

وقد اعتذر عن الحاكم بعض الأئمة:

فقال السيوطي: "إن الحاكم مظلوم في كثير مما نسب إليه من التساهل".

وقال السخاوي: " بل يُقال: إن السبب في إدخال الحاكم الموضوعات والضعيفات في مستدركه أنه صنفه في أواخر عمره، وقد حصلت له غفلة وتغير. أو أنه لم يتيسر له تحريره وتنقيحه، ويدل على ذلك أن تساهله في قدر الخمس الأول منه قليل جداً بالنسبة لباقيه".

ويؤيد هذا القول الذي ذكره السخاوي أن المجلد الأول من المستدرك يقل فيه تعقب الذهبي عن المجلدات الأخرى بشكل كبير وواضح.

اعتذار الحافظ على الحاكم:

وهذا الاعتذار الذي ذكره السخاوي أخذه عن شيخه الحافظ ابن حجر –رحمهما الله-، فإنه قال في "النكت":

" قليل في الاعتذار عنه: إنه عند تصنيفه للمستدرك كان في أواخر عمره، وذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره، ويدل على ذلك أنه ذكر جماعة في كتاب الضعفاء له وقطع بترك الرواية عنهم ومنع من الاحتجاج بهم، ثم أخرج أحاديث بعضهم في مستدركه وصححها، ومن ذلك: أنه أخرج حديثاً لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وكان قد ذكره في الضعفاء، فقال: "إنه روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه " اهـ.

ولكن السبب الأوجه هو ما ذكره الحافظ أيضاً، وهو أن الحاكم – رحمه الله- ألف الكتاب في البداية وجعله مسوداً. وعادة أي إنسان يؤلف التسامح في أي شيء يرد عليه، ثم بعد ذلك يرجع فينقح ويبيض تلك المسودة، والكتاب بعد التنقيح هو الذي يؤاخذ عليه المؤلف.

فقد ذكر ابن حَجر أن المستدرك مجزء إلى ستة أجزاء،، وقد نجد في حوالي النصف الثاني من نهاية النصف الأول وبداية النصف الثاني من المجلد الثاني القول بأنه إلى هنا انتهى ما أملاه علينا أبو عبد الله الحاكم.

والمستدرك الآن مطبوع في أربعة مجلدات، والمجلد الأول هو الذي ينطبق عليه كلام الحافظ ابن حجر؛ أي هو الذي أملاه الحاكم، وأما المجلدات الثلاثة الباقية فلا.

يقول ابن حجر: إن هذه الموضوعات من الأحاديث التي انتقدت على الحاكم إنما تأتي في القدر الذي لم يمله.

ثم يستدرك ابن حجر على هذا بصنيع البيهقي، ويقول: إن البيهقي إذا روى عن شيخه الحاكم حديثاً من الأحاديث التي في الربع الأول في القدر الذي أملاه يصرح بالتحديث، فيقول: حدثنا أبو عبد الله الحافظ، لكن إذا روى حديثاً من الأجزاء الباقية – الثلاثة الأرباع الباقية – لا يصرح بالتحديث، وإنما أخذ ذلك بطريق الإجازة.

يقول: إن الحاكم – رحمه الله – أدركته المنية ولم ينقح إلا مقدار الربع فقط، فكان –رحمه الله – كلما نقح أحاديث وحذف منها ما أراد أن يحذفه جاء لمجالس التحديث فأملى هذه الأحاديث عليهم، ولما أملى الربع الأول أدركته المنية فتوفي ولم يمل الأرباع الثلاثة الباقية.

وحقيقة أنا اعتبر هذا الكلام في حد ذاته صحيحاً؛ لأنني وجدت – فعلاً – أن البيهقي لا يصرح بالتحديث إلا فيما أخذه عن الحاكم في الربع الأول فقط.

وكذلك أيضاً واقع الكتاب يدلنا على هذا، فإن عدد الأحاديث التي انتقدها الذهبي في الربع الأول حوالي مائتين حديثاً فقط، وأما في الأرباع الثلاثة الباقية فإنها تقرب من الألف تقريباً، فهذا العدد الأخير يعتبر كثيراً إذا قورن بالعدد الذي في الربع الأول.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير