تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولعل من الأمثلة الطريفة في هذا أن أبا الفضل الهمذاني قدم نيسابور وكان آية في الحفظ، وكان يفتخر على الناس بحفظه هذا، فكان يحفظ القصيدة التي من مائة بيت من أول ما تلقى عليه، فكان يهزأ بأهل الحديث ويقول: ما هذه الكتب ما دمت أحفظ القصيدة التي بهذا الطول من خلال إلقائها على مرة واحدة، فأنتم بادعائكم الحفظ والإتقان لا تبلغون شأني ولا تقاربوني.

فبلغ ذلك الحاكم فألقى إليه جزءاً حديثاً وقال: أنا لا أريد منك أن تحفظه من أول مرة، بل أمهلك أسبوعاً لتحفظ هذا الجزء، ثم بعد ذلك نرى ما تصنع.

وبعد أسبوع جاء هذا الرجل ورمى هذا الجزء الحديثي على الحاكم، وقال: ما هذا؟ فلان عن فلان، وفلان قال: حدثنا فلان. وكأنه قال: إنها رقية، أو ما إلى ذلك.

فقال له الحاكم: فاعرف قدرك، فهذه الأبيات التي تحفظها كل واحد يستطيع أن يحفظها، ولكن هذا هو الذي يدل على قوة الحفظ والإتقان.

جـ- أن جماعة من أعيان أهل العلم بنيسابور سألوه أن يجمع كتاباً يشتمل على أحاديث مروية بأسانيد يحتج البخاري ومسلم بمثلها.

فهذه الأسباب الثلاثة بمجموعها التي دفعت الحاكم – رحمه الله – تعالى إلى تأليف كتابه "المستدرك".

2 - موضوع كتاب المستدرك:

الكتاب يذكر بعض الأحاديث مرتبة على ترتيب الجوامع؛ أي أنه يضم أحاديث الأحكام وغير أحاديث الأحكام، ورتبه على نفس الترتيب الفقهي المعروف عموماً، ويرى أنها صحيحة على شرط الشيخين أو على شرط أحدهما، ولم يخرجاها في كتابيهما. وأحاديث أخرى يرى أنها مستوفية للشروط العامة للصحة من اتصال السند وثقة الرواة وعدم الشذوذ وعدم العلة.

وربما أورد في كتابه بعض الأحاديث التي لا يرى أنها صحيحة، ولكنه أوردها لبعض الاعتبارات، كالأحاديث الستة التي أوردها في البيوع وصرح بخروجها عن شرط الكتاب كما تقدم.

3 - مجمل منهج الحاكم في المستدرك وبيانه لدرجة الأحاديث وأنواعها عنده:

مقصودة بشرط الشيخين أو أحدهما:

اختلف العلماء في مُراد الحاكم بشرط الشيخين أو أحدهما في كتاب "المستدرك"، ومرجع هذا الاختلاف يعود إلى فهم كلامه في مقدمة المستدرك حيث قال: "وقد سألني جماعة من أعيان أهل العلم بهذه المدينة وغيرها أن أجمع كتاباً يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها".

ثم قال بعد ذلك: "وإنا أستعين بالله على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما، وهذا هو شرط الصحيح عند كافة فقهاء أهل الإسلام: أن الزيادة في الأسانيد والمتون من الثقات مقبولة، والله المعين على ما قصدته وهو حسبي ونعم الوكيل".

فقول الحاكم في الموضعين: "بمثلها" اختلف العلماء في مراده بها:

فمنهم من قال: إن المقصود بمراده بالمثلية: هو نفس الرواة الذين أخرج لهم الشيخان أو أحدهما، ويعبر عن ذلك بأنه أراد المثلية الحرفية.

قال النووي: "إن المراد بقولهم: على شرطهما: أن يكون رجال إسناده في كتابيهما؛ لأنه ليس لهما شرط في كتابيهما".

وقال العراقي: "وهذا الكلام قد أخذه من ابن الصلاح حيث قال في شأن المستدرك: أودعه ما رآه على شرط الشيخين قد أخرج عن رواته في كتابيهما".

وقال العراقي أيضاً: "وعلى هذا عمل ابن دقيق العيد، فإنه ينقل عن الحاكم تصحيحه لحديث على شرط البخاري مثلاً، ثم يعترض عليه لأن فيه فلاناً ولم يخرج له البخاري، وكذلك فعل الذهبي في تلخيص المستدرك ".

ومن أمثلة المثلية الحرفية قول الحاكم: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسحاق الخزاعي بمكة، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي مسرة، قال: حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ، قال: حدثنا سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثني ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً" (14).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير