فلو فرضنا أن الحاكم قال: إن هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين – مع العلم أنه لم يصححه على شرط الشيخين -؛ فمقصوده بالمثلية الحرفية أن يكون أبو صالح الراوي عن الصحابي قد أخرج له الشيخان في صحيحيهما، وأن يكون الراوي عنه كذلك – القعقاع بن حكيم – أخرج له الشيخان، وكذلك ابن عجلان يكون أخرج له الشيخان، وسيعد بن أبي أيوب يكون أخرج له الشيخان، وعبد الله بن يزيد المقرئ يكون أخرج له الشيخان، ومن طبقة عبد الله بن يزيد المقرئ – كما سنذكر -، هؤلاء هم الذين أخرج لهم الشيخان. أما من بعد ذلك فهم بعد البخاري ومسلم؛ فهؤلاء لا يشملهم الحكم.
على كل حال: يكون الحكم من هذه الطبقة من الطبقة الثالثة؛ لأن أبا محمد عبد الله بن محمد هذا شيخ الحاكم، وابن أبي مسرة شيخ شيخه، وهاتان الطبقتان مستثنيتان عند الحاكم، لكن من بعدهما هم الذين يشملهم الحكم، فلابد أن يكون هؤلاء الرجال كلهم قد أخرج لهم البخاري ومسلم أنفسهم، فهذه هي المثلية الحرفية.
ومنهم من قال: " بل المراد بالمثلية: المثلية المجازية، ويعنون بها أن المقصود وصف الرواة الذين احتج بهم الشيخان أو أحدهما، وهذا يعني أن الحاكم يخرج لرواة لم يرو لهم الشيخان أو أحدهما، ولكنهم موصوفون بتوثيق يماثل في درجته درجة من أخرج لهم الشيخان ".
وقد قال العراقي رداً على ابن الصلاتح وابن دقيق العيد والذهبي في قولهم السابق: "وليس ذلك منهم بجيد؛ فإن الحاكم صرح في خطبة المستدرك بخلاف ما فهموه عنه، فقال:"وأنا أستعين الله تعالى على إخراجي أحاديث رواتها ثقات، قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما". فقوله: "بمثلها" أي بمثل رواتها لا بمهم أنفسهم، ويحتمل أن يراد بمثل تلك الأحاديث، وإنما تكون مثلها إذا كانت بنفس رواتها، وفيه نظر ".
ومن هنا نفهم أن العراقي يرجع أن مراد الحاكم أوصاف رواة الشيخين أو أحدهما لا نفس الرواة، وعلى رأي العراقي يكون الحاكم قد أصاب في جملة كبيرة من الأحاديث ما دام الراوي ليس مضعفاً ولا متكلماً فيه، بل هو ثقة، فلا يضر حتى لو لم يخرج له الشيخان، ويعتبر هذا الحديث على شرط الشيخين.
وقد عارض الحافظ ابن حجر شيخه العراقي في هذا، وقرر أن الحاكم في تصرفه في "المستدرك" يريد نفس الرواة.
فقال ابن حجر: "ولكن تصرف الحاكم يقوي أحد الاحتمالين الذين ذكرهما شيخنا –رحمه الله-، فإنه إذا كان عنده الحديث قد أخرجا أو أحدهما لرواته – قال: صحيح على شرط الشيخين أو على شرط أحدهما. وإذا كان بعض رواته لم يخرجا له – قال: صحيح الإسناد فحسب".
وقال ابن حجر أيضاً: "ويضح ذلك قوله في باب التوبة لما أورد حديث أبي عثمان عن أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوعاً: "لا تنزع الرحمة إلا من شقي" (15)، قال: هذا حديث صحيح، وأبو عثمان هذا ليس هو النهدي، ولو كان هو النهدي لحكمت بالحديث على شرط الشيخين ".
فدل هذا على أنه إذا لم يخرج البخاري ومسلم لأحد رواة الحديث فلا يحكم به على شرطهما، وهو عين ما ادعى ابن دقيق العيد وغيره.
وقد قال أيضاً: "إن المراد بشرطهما: رواتهما مع باقي شروط الصحة ".
ولكن ابن حجر وجد أيضاً أن هناك أحاديث متعددة في "المستدرك" قرر الحاكم تصحيحها على شرط الشيخين أو أحدهما. وفي رواتها من لم يخرج له الشيخان أو أحدهما، فلم يسعه إلا أن يحمل ذلك على السهو والنسيان من الحاكم؛ حيث قال: "وإن كان الحاكم يغفل عن هذا في بعض الأحيان، فيصحح على شرطهما بعض مالم يخرجا لبعض رواته، فيحمل ذلك على السهو والنسيان، ويتوجه به حينئذ عليه الاعتراض".
ثم إن ابن حجر استدل على ذلك بدليل قوي جداً حيث قال فيما معناه: "إن مما يؤيد أن الحاكم أراد نفس الرواة وليس من يماثلهم – أننا نجده أحياناً يقول: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه فلو أراد المثلية المجازية لقال: على شرط الشيخين؛ لأن شرط البخاري أقوى من شرط مسلم، وشرط مسلم داخل فيه، ولكنه لم وجد في بعض رجال الإسناد من أخرج له البخاري ولم يخرج له مسلم صححه على شرط البخاري؛ لأنه يرى أن الحاكم منصب على نفس الرواة ".
أقسام الحديث في مستدرك أبي عبد الله الحاكم
القسم الأول:
¥