تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال ابن رشد فقال: وليس لهم أن يقولوا: إن خارج العالم خلاء , وذلك أن الخلاء قد تبين في العلوم النظرية امتناعه لأن ما يدل عليه اسم الخلاء ليس هو شيئا أكثر من أبعاد ليس فيها جسم أعني طولا وعرضا وعمقا لأنه إن وقعت الأبعاد عنه عاد عدما , وإن أنزل الخلاء موجودا لزم أن تكون أعراض موجودة في غير جسم وذلك لأن الأبعاد هي أعراض من باب الكمية.

الكشف عن مناهج الأدلة (148)

ومن هنا دخلت عليهم شبهة نفي العلو لله تعالى لاعتقادهم أن وراء العالم خلاء.

المسألة الثامنة عشرة: العلو

قال ابن رشد: وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه حتى نفتها المعتزلة، ثم تبعهم على نفيها متأخروا الأشعرية كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله. وظواهر الشرع كلها تقتضي اثبات الجهة، مثل قوله تعالى: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} [الحاقة: 17]، ومثل قوله: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون} [السجدة: 5] ومثل قوله تعالى: {تعرج الملائكة والروح إليه} [المعارج: 4] ومثل قوله: {ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور} [الملك: 16]، إلى غير ذلك من الآيات التي إن سُلِّط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤولاً. وإن قيل فيها إنها من المتشابهات عاد الشرع كله متشابهاً؛ لأن الشرائع كلها مبنية على أن الله في السماء، وأن منه تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين، وأن من السماء نزلت الكتب وإليها كان الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى قرب من سدرة المنتهى. وجميع الحكماء قد اتفقوا أن الله والملائكة في السماء، كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك.

والشبهة التي قادت نُفاة الجهة إلى نفيها، هي أنهم اعتقدوا أن إثبات الجهة يوجب إثبات المكان، وإثبات المكان يوجب إثبات الجسمية.

ونحن نقول أن هذا كله غير لازم، فإن الجهة غير المكان. وذلك أن الجهة هي إما سطوح الجسم نفسه المحيطة به، وهي ستة. وبهذا نقول إن للحيوان فوق وأسفل، ويميناً وشمالاً، وأمام وخلف. وإما سطوح جسم آخر محيط بالجسم، ذي الجهات الست. فأما الجهات التي هي سطوح الجسم نفسه فليست بمكان للجسم نفسه أصلاً. وأما سطوح الأجسام المحيطة به فهي له مكان، مثل سطوح الهواء المحيطة بالإنسان، وسطوح الفلك المحيطة بسطوح الهواء هي أيضاً مكان للهواء، وهكذا الأفلاك بعضها محيطة ببعض ومكان له.

وأما سطح الفلك الخارجي فقد تبرهن أنه ليس خارجه جسم، لأن لو كان ذلك كذلك لوجب أن يكون خارج ذلك الجسم جسم آخر، ويمر الأمر إلى غير نهاية. فإذن: سطح آخر أجسام العالم ليس مكاناً أصلاً، إذ ليس يمكن أن يوجد فيه جسم، لأن كل ما هو مكان يمكن أن يوجد فيه جسم، فإذن: إن قام البرهان على وجود موجود في هذه الجهة، فواجب أن يكون غير جسم. فالذي يمتنع وجوده هنالك هو عكس ما ظنه القوم، وهو موجود هو جسم، لا موجود ليس بجسم.

وليس لهم أن يقولوا إن خارج العالم خلاء. وذلك أن الخلاء قد تبين في العلوم النظرية امتناعه؛ لأن ما يدل عليه اسم الخلاء ليس هو، شيئاً أكثر من أبعاد ليس فيها جسم، أعني: طولاً وعرضاً وعمقاً، لأنه إن رفعت الأبعاد عنه عاد عدماً. وإن أُنزل الخلاء موجوداً لزم أن تكون أعراض موجودة في غير جسم. وذلك أن كل ما يحويه الزمان والمكان فاسد. فقد يلزم أن يكون ما هنالك غير فاسد ولا كائن.

وقد تبين هذا المعنى مما أقوله: وذلك أنه لما لم يكن ها هنا شيء إلا هذا الموجود المحسوس، أو العدم، وكان من المعروف بنفسه أن الموجود إنما يقال إنه موجود في العدم، فإن كان ها هنا موجود هو أِشرف الموجودات، فواجب أن ينسب من الموجود المحسوس إلى الجزء الأشرف، وهو السماوات. ولِشَرَف هذا الجزء قال تبارك وتعالى: {لخلق ا لسموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [غافر: 57]. وهذا كله يظهر على التمام للعلماء الراسخين في العلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير