[مدافعة الشبهات د. عبدالعزيز العبداللطيف وفقه الله]
ـ[ابوعمر الدغيلبي]ــــــــ[01 - 02 - 10, 04:07 ص]ـ
مدافعة الشبهات د. عبدالعزيز العبداللطيف
أجهش العلامة إبراهيم بن جاسر [1]- رحمه الله - (ت 1338هـ) بالبكاء، لما قرئ عليه في كتاب (منهاج السُّنة النبوية في نقض الشيعة والقدرية لابن تيمية)؛ حيث جاء قول ابن المطهِّر الحلي [2] وما فيه من شبهات ومغالطات، ثم قال الجاسر لطلابه: أيها الإخوان! لو لم يقيِّض الله لهذا الطاغية وأمثاله مثل هذا الإمام الكبير؛ فمن الذي يستطيع الرد والإجابة عن هذه الشبهات [3]؟
وإذا تجاوزنا ما قاله العلاَّمة ابن جاسر؛ إذ لا تخلو الأرض من قائم لله - تعالى - بحجة، وتحدثنا عن السبيل إلى التعامل مع الشبهات ومدافعتها.
فالشبهة إن كانت واضحة البطلان، ظاهرة العوار لكل ذي عينين، لا يُلتفت إليها؛ فإن الخوض في إبطالها تضييع للزمان، وإتعاب للحيوان [4]، وإنما المدافعة للشبهات التي يَضِل بها بعض الناس [5]؛ «إذ لا يشبه على الناس الباطل المحض، بل لا بد أن يُشاب بشيء من الحق» [6].
كما ينبغي التوسط مع الشبهات في حدِّ ذاتها؛ فالشبهات المغمورة، والاعتراضات المطمورة لا يُلتفت إليها بدعوى الرد والمناقشة؛ إذ في ردِّها إظهارٌ لها بعد اندراسها، وإحياءٌ لرميمها، ولكن الشبهات التي استفحلتْ وأوقعت حيرة ولبساً عند فئام من المسلمين، فالمتعيَّن مدافعاتها ومناظرة أربابها ومجادلتهم.
قال ابن تيمية: «كل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم، لم يكن أعطى الإسلام حقه، ولا وفَّى بموجب العلم والإيمان، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ... » [7].
وكذا التوسط مع الشبهات أثناء سماعها من الآخرين، أو ورودها من المخاطبين؛ فلا يزجر كل سائل تَعْرض له شبهة، ولا يُهمَل كل من وقع في حيرة أو اشتباه؛ فهذا الإعراض والإهمال قد أفضى ببعضهم إلى زندقة، وخروج عن الإسلام والسُّنة.
وكذا الحذر مما يقابل ذلك، من تَقَصُّد الشبهات، أو دعوة الناشئة إلى إثارة أي شبهة أو إشكال، كما يفعله بعض المعاصرين؛ فإن تتبُّع الشبهات وحصرها ليس مقدوراً ولا مشروعاً؛ فالشبهات لا تنقضي ويستحيل حصرها.
ولا يكلِّف الله نفساً إلا وُسْعها؛ «فالمعارضات الفاسدة التي يمكن أن يوردها بعض الناس على الأدلة لا نهاية لها؛ فإن هذا من باب الخواطر الفاسدة، ولا يحصيه أحد إلا الله ... فالخواطر الفاسدة التي تقدح في المعلومات لا نهاية لها، ولا يمكن استقصاء ما يَرِد على النفوس من وساوس الشيطان» [8]. «والقرآن لا يُذكر فيه مخاطبة كل مبطل بكل طريق، ولا ذَكَر كلَّ ما يخطر بالبال من الشبهات وجوابها؛ فإن هذا لا نهاية له ولا ينضبط» [9].
كما لا تُذكر الشبهة ابتداءً واستقلالاً، بل يقرر الحق، ويبيِّن الهدى بأدلته وبراهينه (النقلية والعقلية)، ثم يجيء الجواب عن الشبهات الواردة عَقِب هذا التقرير والتأصيل [10].
ومن مدافعة الشبهات: تحقيق اليقين، وترسيخ الإيمان؛ فإذا انشرح القلبُ بالإيمان وخالط بشاشة القلوب؛ فلا يقع انتكاس أو ارتداد.
قال ابن القيم: «ومتى وصل اليقين إلى القلب، امتلأ نوراً وإشراقاً، وانتفى عنه كلُّ ريب وشك وسخط وهمٍّ وغمٍّ، فامتلأ محبة لله، وخوفاً منه، ورضى به» [11].
قال الله - تعالى -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} [الأنعام: 211 - 311].
يقول العلاَّمة محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -: «في هذه الآية ترتيب غريب عجيب، بالغ في الحُسْن؛ لأن السبب الأول: هو الغرور والخديعة، فتسبَّب عن الغرور والخديعة أن صغت إليه قلوبهم ومالت، ثم تسبب عن صوغ القلوب وميلها أنهم أحبوه ورضوه، ثم تسبب عن كونهم أحبوه ورضوه أن اقترفوه ... والمؤمنون يعرفون زخارف الشيطان ووحيه؛ فيتباعدون منه ويجتنبونه» [12].
¥