[عداوة للنص لا نصرة للعلم التجريبي]
ـ[محمد جلال القصاص]ــــــــ[21 - 01 - 10, 02:29 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
[عداوة للنص لا نصرة للعلم التجريبي]
بعضهم ضيق الأفق قليل المعلومات، يعرض ما عنده على أنه هو الحقيقة ليس إلا. ويحدث هذا في تعاطي القضايا التقنية. يحدث هذا حين يواجه الخبر الشرعي ظاهرة كونية تبدوا مخالفة له. يصطف المتحدثون ثلاث صفوف:
الأول: يعظم العلم التجريبي ويؤيده مطلقاً، ويرد النص الصريح لضعف تعظيمه لوحي السماء من كتابٍ وسنةٍ صحيحةٍ.
الثاني: يؤيد النص الشرعي على ظاهرة،دون تفصيل، أو يُفَصِّل ليثبت ظاهر النص، وهؤلاء من يأخذون النصوص كما جاءتهم من الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، رضوان الله عليهم.
الثالث: ينقلب على النص الشرعي يطوعه للعلم الحديث. وهم المهزومون.
وأذكر كمثال هنا قضية الفهم يكون بالقلب أم بالعقل؟ وقضية التداوي ببول الإبل، وعدد كبير من أخبار الإعجاز العلمي. وهي محل نقاش من بداية القرن التاسع عشر حين اتصلوا بنا فيما عرف (بالاستعمار)، واستعلوا علينا بما وهبهم الله من (علمٍ حديث).
فعند التحقيق نجد أن حقيقة الخلاف حول من نصدق؟
أنصدق العلم التجريبي أم نصدق النص الشرعي؟!
إحدى المسلمات أن الخبر بالمخبر أو بشواهد في ذات الخبر تشهد له بالصحة. والذي أعرفه أن العلم التجريبي ظني الدلالة، يقدم لنا فروضاً، ويقدم لنا نظريات يخطئ بعضها بعضاً، ويقدم لنا (حقائق) يتراجع عنها بعد قليل، فما من علمٍ تجريبي إلا وهو يتطور أو يتنازل عن آرائهم عاماً بعد عام.
إن العلم التجريبي كذوب يتراجع من قريب .. يحلف وفي كل مرة يحنث، ولا يتعظ، ولا يفهم الدرس، بل يعود ثانية يحلف، ويحنث، ثم يعود ويحلف .. في كل عامٍ مرة أو مرتين ولا يتعظ!!
فمن ينتظر منه الصدق وهذا حاله.
ولا تعجل كي لا تندم. سأتلو عليك بعض الشواهد:
أبدأ بما ذكر الدكتور عبد العزيز في مقاله: أقسم العلم التجريبي أن الذرة لا تنقسم، وأنها أصغر وحدة، وسماها باللاتينية A TOM أي: لا تنقسم، ثم تراجع العلم التجريبي وقال: بل تنقسم، وهي بروتونات وإلكترونات، ثم تراجع ثانية وتحدث عن ما هو أدق من ذلك (مكونات النواة).!!
وتحدث العلم التجريبي بأن القرحة المعوية ـ عافانا الله وإياكم ـ من زيادة في الحامض المعوي ( HCL) تؤثر على جدار المعدة، ثم تراجع وتكلم بنظرية أخرى ( Na+ K+ Pupm) ، واليوم يتكلم عن مشاركة حركة القولون (ارتجاع القولون) ويتكلم عن ميكروب (بكتريا تحديداً)، ويصف لعلاج القرحة مضاد حيوي ( anti biotic ) مع مضادات الحموضة ومنظمات حركة القولون.!!
إنه لا يثبت على قول، وإنه متغطرس يتكلم بثقة، وكأن الحقيقة بين يديه يتلو منها على من يأتي إليه.ثم يبين كذبه ولا يخجل!!
أنى لي أن أثق بمثل هذا؟!.
وأنى لي أن أستفتي مثل هذا؟!
إنني أرتاب منه.وأقف بعيداً عنه، فكن معي كي تسلم ولا تأثم.
على الجانب الآخر لم نجرب على النص الشرعي كذب قط. ناطحه (من المناطحة) العلمُ التجريبي في قضية الفهم يكون بالقلب أم بالعقل ونطحه العلم الشرعي، بل عركه وتركه حديثاً لربات البيوت.
وناطح العلمُ التجريبي (علم النفس هنا وهو تجريبي منذ ظهور المدرسة السلوكية) العلمَ الشرعي، وبدا (علم النفس) ـ مع أنه قديم منذ بدأ الإنسان على حد قول الدكتور أحمد عزت راجح ومطاوع وجون لويس وغيرهم ـ كالفأر في سهل تهامة يتحدى جبالها. وأنى؟!!
النص الشرعي يحاط بإشكالية تتعلق بمن يقرأ النص الشرعي. إن كان مهزوماً أوله على هوى عدوه، وهم كثر لا كثرهم الله، وإن كان جامداً صلباً تعصب وتشدد وأبى إلا الظاهر، وقد يكون عاماً له مخصص، أو منسوخاً له ناسخ، أو ملفوفاً في ثوب بيان ويحتاج لمن يفهم السياق العملي والقولي ودلالات الخطاب وأساليب المعاني، ومما يذكر هنا أن الطاهر بن عاشور في مقدمته الخامسة والسابعة اعتبر المعرفة بالأدب أو البيان عموما كالمعرفة بأسباب النزول، أو أحد الأمور المعينة على فهم النص الشرعي.
والذي أفهمه أن العقل يعمل مع النص الشرعي في منطقتين:
الأولى: إثبات النص الشرعي، هل الخبر صحيح أم غير صحيح؟، وأهل الفن يتكلمون، وغيرهم يسألون.
الثاني: في المناط الذي يتنزل عليه الحكم. هل هو صحيح أم لا. فحين يقول النص الشرعي أن كل مسكر خمر وكل خمر حرام. يأتي العقل يسأل: هل النص صحيح أم لا؟ نقول: في أعلى درجات الصحة (صحيح مسلم)، ولا نعلم له صارف من نص آخر أو قرينة حالية أو مقالية.
وتبقى منطقة المناط (هل ما شُرب خمر أم لا؟).
والعقل يعمل قبل دخول الإسلام، فمن ندعوه للإسلام ندعوه بثوابت بيننا وبينه، يفهمها هو ويقرها.
فالعقل قبل الإسلام يعمل، وفي داخل الإسلام يناقش إثبات الدليل، ويناقش المناط. والذين يناقشون الحكم هم المعترضون على الحاكم، نخاطبهم بالتوحيد. نقول لهم: الله أعلم وأحكم، الله له من الأسماء والصفات ما يجعله أحق أن يتبع، وأن يكون قوله الفصل، وله الحكم.
يبقى أن أشير إلى شيء مهم جداً وهو أن المجادلين في العلم التجريبي ليسوا من أهله بل من أعداء النص الشرعي (ليبراليون، علمانيون متنورون .. الخ) وهم هم بأم أعينهم الذين يتكلمون عن التقدم التقني والرقي الحضاري، فمن المسلم به أننا أرسلنا جيوشاً للغرب في هيئة بعثات علمية (يوجد الآن أكثر من خمسين ألف متبعث فيما أعلم) ولم نتقدم تقنياً. بل عادت البعثات للغرب بصدى عقدي وليس بعلمٍ تقني. وهي حقيقة كشمس الظهيرة في صحراء نجد.
وهذا يثبت أنها عدواة للنص الشرعي وليست نصرة للعلم التجريبي، أو إيمان خاطئ بخاطئ.
أبو جلال / محمد بن جلال القصاص
ظهر الثلاثاء 4/ 2/1431هـ