ذكر أو أنثي، فجعل العمل من الأسباب دخول الجنة، والسباب نفسها إنما هي تفضيل من الله تعالى.
2 - الوعيد: والمقصود بالوعيد هنا هو ما يتعلق بأحكام المذنبين من عصاه المؤمنين إذا ماتوا من غير توبة، فإنهم يستحقون بمقتضى الوعيد من الله النار خالدين فيها إلا أن عقابهم يكون أخف من عقاب الكفار.
شبههم: استدلوا من القرآن الكريم بكل آية يذكر فيها عقاب العصاة بالنار والخلود فيها، وهى آيات كثيرة مثل قوله عز وجل: ?إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين (
إن استدلال المعتزلة لما يذهبون إليه من إنفاذ الوعيد لا محالة، وأن أصحاب الكبائر والذنوب من المؤمنين مخلدون في النار حتما قول غير مسلم، وهو خطأ في فهم النصوص وحمل لها على غير معانيها الصحيحة، فإن الآيات لا تدل على خلود أصحاب المعاصي من المؤمنين خلودا أبديا حتميا، ذلك أن الله عز وجل قد يعفو عنهم ابتداء وقد يعذبهم بقدر ذنوبهم ثم يخرجهم الله بتوحيدهم وإيمانهم، لأنه لا يخلد في النار إلا من مات على الشرك الذي أخبر عز وجل أنه لا يغفر لصاحبه، وأما ما عدا الشرك فإن الله تعالي يغفره.
4 - الأصل الرابع: المنزلة بين المنزلتين
هو أنه كلام في أن صاحب الكبيرة له اسم بين الاسمين وحكم بين الحكمين، لا يكون اسمه اسم الكافر ولا اسمه اسم المؤمن وإنما يسمى فاسقا وكذلك فلا يكون حكمه حكم الكافر ولا حكم المؤمن، بل يفرد له حكم ثالث.
ويرد عليهم: الواقع: أن العاصي غير خارج من الملة بفسقه بل هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، ولم تخرجه النصوص عن الإيمان لا في كتاب الله ولا في سنة نبيه، ولا في إجماع الأمة، وفى هذا يقول الطحاوي: "ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله.
أن أهل السنة متفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفرا ينقل عن الملة بالكلية – كما قالت الخوارج – إذ لو كفر كفرا ينقل عن الملة لكان مرتدا يقتل على كل حال، ولا يقبل عفو ولا القصاص ولا تجري الحدود في الزنا والسرقة وشرب الخمر، وهذا القول معلوم بطلانه وفساده بالضرورة من دين الإسلام، ومتفقون على أنه لا يخرج من الإيمان والإسلام ولا يدخل في الكفر، ولا يستحق الخلود مع الكافرين.
5 - الأصل الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وقد بين القاضي عبد الجبار حقيقة الأمر، والنهي، والمعروف، والمنكر، فقال: " أما الأمر: فهو قول القائل لمن دونه في الرتبة: أفعل، والنهي هو قول القائل لمن دونه: ولا تفعل.
وأما المعروف: فهو كل فعل عرف فاعله حسنه أو دل عليه
وأما المنكر: فهو كل فعل عرف فاعله قبحه أو دل عليه
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعتبران من فروض الكفايات عند المعتزلة إذا قام بهما من يكفي سقط عن الباقين.
وقد استدل المعتزلة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأدلة كثيرة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية والإجماع.
فمن القرآن الكريم قوله تعالى: ?كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر (وأما من السنة فهو قول النبي: " ليس لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل" وقد توافق أهل السنة والمعتزلة في حكم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كونه من الواجبات على الكفاية،
وإلا أنه وقع خلاف بين أهل السنة والمعتزلة فيما يلي:
1 - طريقة تغيير المنكر. 2 - أوجبوا الخروج على السلطان الجائر. 3 - حمل السلاح في وجوه المخالفين لهم سواء كانوا من الكفار أو من أصحاب المعاصي من أهل القبلة.
فأما طريقة تغيير المنكر: فقد ساروا فيها عكس الحديث الذي بين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم موقف المسلم إزاء تغيير المنكرات.
عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان "
إذ إن تغيير المنكر عندهم يبدأ بالحسنى ثم باللسان ثم باليد ثم بالسيف، بينما الحديث يرشد إلى العكس، وهو ما يذهب إليه أهل الحق، من أن تغيير المنكر يبدأ بالفعل باليد إذا لم يترتب عليه مفاسد، والتغيير باليد هنا لا يكون بالسيف، وإنما هو إزالة المنكر بدون قتال ولا فتح باب فتنة أكبر من المنكر المراد إزالته.