الحديث الأول وفيه: (فأخذت بحقو الرحمن) التي تفرد بها خالد بن مخلد القطواني: والحديث أخرجه البخاري في ثلاثة مواضع من صحيحه: في التفسير (من طريقخالد بن مخلد حدثنا سليمان قال حدثني معاوية بن أبي مزرد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة) والأدب (من طريق بشر بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا معاوية بن أبي مزرد قال سمعت عمي سعيد بن يسار يحدث عن أبي هريرة) والتوحيد (من طريق حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثني سليمان بن بلال عن معاوية بن أبي مزرد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة) فلم يروه عن أبي هريرة غير سعيد ولم يروه عن سعيد غير معاوية ورواه عن معاوية اثنان: سليمان بن بلال وعبد الله بن المبارك. ورواه عن سليمان اثنان: إسماعيل بن أبي أويس وخالد بن مخلد القطواني.
وانفرد خالد بلفظة (حقو الرحمن)، وأخرجها البخاري في كتاب التفسير دون كتاب التوحيد الذي هو مظنة أحاديث الصفات!
فهل لأنه ارتاب من تفرده بهذه اللفظة؟! أم أن هذا من باب (زيادة الثقة)؟
ولخالد مناكير، ولكن الأئمة لم يذكروا هذه منها!
هذا محتمل!
وفي حديث التردد وقع شبيه ما وصَّفته من قبل!
قال المعلمي في الأنوار الكاشفة:" أقول: هذا الخبر نظر فيه الذهبي في ترجمة خالد بن مخلد من الميزان وابن حجر في الفتح 92:11: لأنه لم يرو عن أبي هريرة إلا بهذا السند الواحد: محمد بن عثمان ابن كرامه، [رواه عن محمد بن عثمان جماعة منهم البخاري] حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال، حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة)) ومثل هذا التفرد يريب في صحة الحديث مع أن خالداً له مناكير وشريكاً فيه مقال. وقد جاء الحديث بأسانيد فيها ضعف من حديث علي ومعاذ وحذيفة وعائشة وابن عباس وأنس.
فقد يكون وقع خطأ لخالد أو شريك، سمع المتن من بعض تلك الأوجه الأخرى المروية عن علي أو غيره ممن سلف ذكره، وسمع حديثاً آخر بهذا السند ثم التبسا عليه فغلط، روى هذا المتن بسند الحديث الآخر. فإن كان الواقع هكذا فلم يحدث أبو هريرة بهذا، وإلا فهو جملة من الأحاديث التي تحتاج ككثير من آيات القرآن إلى تفسير، وقد فسره أهل العلم بما تجده في الفتح وفي الأسماء والصفات ص 345 - 348 وقد أومأ البخاري إلى حاله فلم يخرجه إلا في باب التواضع من كتاب الرقاق"انتهى.
قلت: حديث التردد لا إشكال فيه بقدر الإشكال في حديث (الحقو) الذي جاء في رواية عند الترمذي (الحجزة) وأوله بعضهم (بقائم العرش)!
وعقد البيهقي في الأسماء والصفات بابًا أسماه (باب ما روي في الرحم أنها قامت فأخذت بحقو الرحمن)، قال تحته:
"" أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْعَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُنِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي مُزَرِّدٍ ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنِي أَبُو الْحُبَابِ سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ، قَامَتِ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: مَهْ، فَقَالَتْ: هَذَا مَكَانُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ قَالَ: نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكَ لَكِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ
فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الصَّحِيحِ"، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ حَاتِمٍ، وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، فَقَالَ: فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ وَمَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ: أَنَّهَا اسْتَجَارَتْ وَاعْتَصَمَتْ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: تَعَلَّقْتُ بِظِلِّ جَنَاحِهِ أَيِ: اعْتَصَمْتُ بِهِ وَقِيلَ: الْحَقْوُ الإِزَارُ، وَإِزَارُهُ عِزَّةٌ، بِمَعْنَى أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِالْعِزِّ، فَلاذَتِ الرَّحِمُ بِعِزِّهِ مِنَ الْقَطِيعَةِ وَعَاذَتْ بِهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الرَّحِمَ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ"".انتهى
فذكر لفظة (الحقو) أحمد بن سلمة دون مسلم، وتابع أبو بكر الحنفي خالدًا القطواني!
فهل الظن ما زال باقيًا؟!
الذي يظهر لي أن تلك الظنون على ورودها تحتاج إلى تجلية ولا يكتفى بها في رد اللفظة ونريد في ردها والجرأة على تخطئة خالد القطواني فيها إلى إمام يتبع أو قول سلفي فيستمع!
وليس لي وراء الحق مطمع.
والله أعلم.