تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومفهوم الآية أن الإيمان باليوم الآخر يحقق مجانبة الإصغاء إلى هذا الخداع والتزويق؛ فالمؤمنون بالآخرة قد استنارت بصائرهم، فنظروا في حقائق الأمور؛ فلا يهولوهم زُخرُف القول، أو معسول الكلام.

وكذا؛ فإن تربية الأمة على الاستعلاء بالإيمان، والاعتزاز بالإسلام ولزوم السُّنة، لَيُحقق مَنَعة وسلامة من الشبهات؛ فالشبهات تَعْلق بالقلوب الضعيفة والنفوس المنهزمة؛ فهي محل قابل لتلك الشبهات، وكم جرَّت الهزيمة النفسية من ضعف وخَوَر، وانسياق مع الشبهات، وانصياع للاعتراضات!

ومن الحقائق الإيمانية التي ينبغي استصحابها في مدافعة الشبهات أن في القرآن العظيم ما يردُّ على كل مخالف، كما قال - تعالى -: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 33].

قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -: «لو تدبَّر إنسان القرآن كان فيه ما يردُّ على كل مبتدع وبدعته» [13]. كما أن أهل السُّنة يجزمون أن أهل البدع لا يكادون يحتجون بحجة سمعية أو عقلية إلا وهي عند التأمُّل حجة عليهم [14].

ومن الأجوبة المهمة تجاه الشبهات عموماً: الاحتجاج بمحكمات الشريعة، والتمسك بجُمَل الإسلام والسُّنة؛ إذ لا يحتج بالمتشابه المحتمل على المحكَم القطعي الجلي إلا أهل الزيغ، وقد احتفى الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - بهذا الجواب المجمل، كما في رسالته المتينة: «كشف الشبهات».

ومن سبل المدافعة ما قرَّره يحيى العمراني (ت 558هـ) قائلاً: «ولا تزول الشبهة عن قلوب العامة إلا من حيث دخلت، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يزيل الشبهة من حيث علم دخولها» [15]. (ثم ساق الأدلة على ذلك).

ومما ينبغي مراعاته في هذا المقام: النظر في أحوال أرباب الشبهات، ومدافعتهم بالأسلوب الأقوم والملائم، والذي يحقق دفع الشبهة وإظهار السُّنة: «والألفاظ في المخاطبات تكون بحسب الحاجات، كالسلاح في المحاربات، فإذا كان عدو المسلمين - في تحصُّنهم وتسلُّحهم - على صفة غير الصفة التي كانت عليها فارس والروم، كان جهادهم بحسب ما توجبه الشريعة التي مبناها على تحري ما هو لله أطوع وللعبد أنفع» [16].

وقال العلاَّمة ابن الوزير (ت 840 هـ) - رحمه الله -: «المحامي عن السُّنة، الذابُّ عن حماها كالمجاهد في سبيل الله - تعالى - يُعدُّ للجهاد ما استطاع من الآلات والعدة والقوة، كما قال - تعالى -: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 06]» [17].

كما يُحذَّر من السِّباب والشتائم وبذاءة القلم واللسان أثناء معالجة الشبهات: «فإن الرد بمجرد الشتم والتهويل لا يعجز عنه أحد» [18].

والكلام البذيء يدل على انقطاع صاحبه وقلة علمه، كما قال العمراني في الانتصار: 1/ 91. وعليه أن يجانب البغي والعدوان، ويتحرى العدل والإنصاف؛ «فالإنسان إذا اتبع العدل نُصِر على خصمه، وإذا خرج عنه طمع فيه خصمه» [19]. وليحرص على مطالعة أحوال السلف وآدابهم في التعامل مع الشبهات، وجدال المخالفين ومناظرتهم [20]، كما يتعين الرسوخ في العلم الشرعي، والتمكُّن من الفقه لدين الله تعالى، والدراية بأساليب الحوار، وطرائق دفع الشبهات، والدُرْبة على المحاورات والمناظرات.

قال ابن عبد البر: «ليس كل عالم تتأتى له الحجة، ويحضره الجواب، ويسرع إليه الفهم بمقطع الحجة ومن كانت هذه خصاله، فهو أرفع العلماء، وأنفعهم مجالسة ومذاكرة» [21].

ثم إن عليه - أولاً وأخيراً - أن يستعين بالله وحده؛ فما لم يكن بالله لا يكون، وكما قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -: «لكن إذا أقبلت على الله، وأصغيت إلى حججه وبيناته، فلا تخف ولا تحزن، إن كيد الشيطان كان ضعيفاً، والعامي من الموحدين يغلب الألف من علماء هؤلاء المشركين، كما قال - تعالى -: {وَإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 371]» [22].


(*) أستاذ مشارك في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض.

[1] انظر ترجمته في علماء نجد للبسام: 1/ 277 - 293.

[2] في كتابه - المردود عليه - منهاج الكرامة، وقد سمَّاه ابن تيمية: منهاج الندامة، كما سمى مؤلفه بابن المنجِّس، ووصفه بأنه أجهل خلق الله بالسُّنة، انظر: منهاج السُّنة: 1/ 21، 4/ 127.
[3] علماء نجد للبسام: 1/ 281.

[4] مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب: 4/ 93.

[5] انظر: التدمرية، ص: 106.

[6] مجموع الفتاوى: 8/ 37.

[7] درء تعارض العقل والنقل: 1/ 357، وانظر: زاد المعاد: 3/ 639.

[8] الدرء: 3/ 162، 262.

[9] الدرء: 8/ 88.

[10] انظر: كتاب الإيمان لابن تيمية، وكتاب فقه الرد على المخالف لخالد السبت، ص: 283.

[11] مدارج السالكين: 2/ 398.

[12] العذب النمير، تحقيق: خالد السبت: 2/ 581، 584 = باختصار.

[13] أخرجه الخلاَّل في السُّنة: 1/ 547.

[14] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية: 6/ 254، وحادي الأرواح لابن القيم، ص: 208.

الانتصار (الجزء الأول): 1/ 94.? [15]

[16] مجموع الفتاوى لابن تيمية: 4/ 107.

[17] إيثار الحق على الخلق، ص: 20.

[18] مجموع الفتاوى: 4/ 186.

[19] الدرء: 8/ 409.

[20] انظر: كتاب فقه الرد على المخالف لخالد السبت، وقد انتفعت به في هذا المقال. ومنهج الجدل والمناظرة لعثمان علي حسن.

[21] جامع بيان العلم: 2/ 968.

[22] كشف الشبهات، ص: 39.
http://almisq.net/articles-action-show-id-407.htm
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير