قال علي: وهذا أَيْضًا دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ خَطَأٌ , وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يُخَالِفُ هَذَا الأَصْلَ وَيَهْدِمُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ , إلاَّ هُنَا فَإِنَّهُ تَنَاقُضٌ , وَذَلِكَ أَنَّهُ يَقُولُ: مَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةُ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ لاَ يُصَلِّيهَا إلاَّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. وَمَنْ فَاتَتْهُ فِي حَالِ مَرَضِهِ صَلَوَاتٌ كَانَ حُكْمُهَا لَوْ صَلاَّهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ مُومِئًا فَذَكَرَهَا فِي صِحَّتِهِ: فَإِنَّهُ لاَ يُصَلِّيهَا إلاَّ قَائِمًا. وَمَنْ ذَكَرَ فِي حَالِ الْمَرَضِ الْمَذْكُورِ صَلاَةً فَاتَتْهُ فِي صِحَّتِهِ كَانَ حُكْمُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا قَائِمًا فَإِنَّهُ لاَ يُصَلِّيهَا إلاَّ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا. وَمَنْ صَلَّى فِي حَالِ خَوْفٍ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا صَلاَةً نَسِيَهَا فِي حَالِ الأَمْنِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيهَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا. وَمَنْ ذَكَرَ فِي حَالِ الأَمْنِ صَلاَةً نَسِيَهَا فِي حَالِ الْخَوْفِ حَيْثُ لَوْ صَلاَّهَا لَصَلاَّهَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا فَإِنَّهُ لاَ يُصَلِّيهَا إلاَّ نَازِلاً قَائِمًا. وَمَنْ نَسِيَ صَلاَةً لَوْ صَلاَّهَا فِي وَقْتِهَا لَمْ يُصَلِّهَا إلاَّ مُتَوَضِّئًا فَذَكَرَهَا فِي حَالِ تَيَمُّمٍ: صَلاَّهَا مُتَيَمِّمًا. وَلَوْ نَسِيَ صَلاَةً لَوْ صَلاَّهَا فِي وَقْتِهَا لَمْ يُصَلِّهَا إلاَّ مُتَيَمِّمًا فَذَكَرَهَا وَالْمَاءُ مَعَهُ فَإِنَّهُ لاَ يُصَلِّيهَا إلاَّ مُتَوَضِّئًا. وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ , وَهَذَا مِقْدَارُ قِيَاسِهِمْ
وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ حُجَّتَنَا فِي هَذَا إنَّمَا هُوَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّمَا جَعَلَ عليه السلام وَقْتَهَا وَقْتَ أَدَائِهَا لاَ الْوَقْتَ الَّذِي نَسِيَهَا فِيهِ أَوْ نَامَ عَنْهَا , فَكُلُّ صَلاَةٍ تُؤَدَّى فِي سَفَرٍ فَهِيَ صَلاَةُ سَفَرٍ , وَكُلُّ صَلاَةٍ تُؤَدَّى فِي حَضَرٍ فَهِيَ صَلاَةُ حَضَرٍ، وَلاَ بُدَّ
فإن قيل: فَإِنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا لِوَقْتِهَا.
قلنا: هَذَا بَاطِلٌ , وَهَذِهِ لَفْظَةٌ مَوْضُوعَةٌ لَمْ تَأْتِ قَطُّ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا خَيْرٌ
قَالَ عَلِيٌّ:
وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ نَسِيَ صَلاَةً فِي سَفَرٍ فَذَكَرَهَا فِي حَضَرٍ فَإِنَّهُ لاَ يُصَلِّيهَا إلاَّ أَرْبَعًا: فَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ , وَالشَّافِعِيِّ , وَغَيْرِهِمَا.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ نَسِيَهَا فِي حَضَرٍ فَذَكَرَهَا فِي سَفَرٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا سَفَرِيَّةً: فَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ، عَنِ الْحَسَنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
وقال الشافعي: لاَ يَقْصُرُ إلاَّ مَنْ نَوَى الْقَصْرَ فِي تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ.
قال علي: وهذا خَطَأٌ ; لإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَدْ تَنَاقَضَ , فَلَمْ يَرَ النِّيَّةَ لِلإِتْمَامِ , وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي قَدْ بَيَّنَّا خَطَأَهُ فِيهِ , مِنْ أَنَّ الأَصْلَ عِنْدَهُ الإِتْمَامُ , وَالْقَصْرُ دَخِيلٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ صَلاَةَ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ , فَلاَ يَلْزَمُهُ إلاَّ أَنْ يَنْوِيَ الظُّهْرَ , أَوْ الْعَصْرَ , أَوْ الْعَتَمَةَ فَقَطْ. ثُمَّ إنْ كَانَ مُقِيمًا فَهِيَ أَرْبَعٌ , وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَهِيَ رَكْعَتَانِ، وَلاَ بُدَّ وَمِنْ الْبَاطِلِ إلْزَامُهُ النِّيَّةَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ دُونَ الآخَرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.