تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مفهوم الأصلح في السياسة الشرعية]

ـ[أبوصالح]ــــــــ[23 - 06 - 07, 09:04 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله وحده ..

هذا مقالٌ نافع للشيخ الفاضل مجيد الخليفة أنقله لكم من مجلة البيان فلعل الله أن ينفع به، ومجلة البيان لها نافذة في السياسة الشرعية تتكرر كل شهرين أو كل شهر ومقالاتها مفيدة جداً فيحسن متابعتها.

[مفهوم الأصلح في السياسة الشرعية]

د. مجيد الخليفة

لقد كثُرت المصطلحات السياسية في عصرنا الحاضر، وتنوّعت مضامينها، وكثُر تداول الناس لها؛ من العامة والخاصة، إلا أن معظم هذه المصطلحات هي مصطلحات غربية بعيدة كل البُعْد عن تراثنا الإسلامي، الذي أعطى للإنسانية ما لم يعطه أيُّ دين آخر، وأسّس قواعد التعامل بين الراعي والرعية وفق شرع الله تعالى، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ووجدنا ساستنا قد ابتعدوا كثيراً عن تراثنا الأصيل، وتمسكوا بهذه المصطلحات الغربية والبعيدة عن قيمنا وحضارتنا، فرأينا أن نبين واحداً من هذه المصطلحات، عسى أن يكون جهدنا هذا فيه خير وفلاح للأمة.

? تعريف الأصلح:

(الأصلح) من الصلاح، والصلاح في اللغة هو نقيض الفساد: (وأصلح الشيء بعد إفساده: أقامه، وأصلح الدابة: أحسن إليها) (1). أما من حيث الاصطلاح فليس هناك تعريف دقيق له، مع الإشارة إلى الفَرْق الواقع بين المصطلح الشرعي، والمصطلح العقدي؛ فنعني بـ (الأصلح) في السياسية الشرعية: استعمال أصلح الموجود من الناس في المهام السياسية والعسكرية، ويكون ذلك بأن يُختار الأمثل فالأمثل؛ كل منصب بحسبه (2).

ولا بد من التفريق بين المصطلح أعلاه، وما يعنيه مصطلح (الأصلح) عند المتكلِّمين، خاصة المعتزلة ومن وافقهم؛ فهم يعتقدون أن (الأصلح) في صفات الله ـ تعالى ـ يعني: أنه يجب على الله ـ تعالى ـ أن يفعل الأنفع لعباده في الدنيا والدين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما كونه لا يفعل ما هو الأصلح لعباده، أو لا يراعي مصالح العباد، فهذا مما اختلف فيه الناس؛ فذهبت طائفة من المثبتين للقدر إلى ذلك، وقالوا: خلقُه وأمرُه متعلق بمحض المشيئة لا يتوقف على مصلحة، وهذا قول الجهم. وذهب جمهور العلماء إلى أنه إنما أمر العباد بما فيه صلاحهم، ونهاهم عما فيه فسادهم، وأن فعل المأمور به مصلحة عامة لمن فعله، وأن إرساله الرسل مصلحة عامة، وإن كان فيه ضرر على بعض الناس لمعصيته) (1).

? (الأصلح) في القرآن الكريم:

لقد جاءت الآيات القرآنية دالةً على مفهوم (الأصلح) من حيث مغزاه الشرعي، في حين أن القرآن الكريم لم يشرْ من قريب أو بعيد إلى ما عناه المعتزلة بـ (الأصلح) في صفات الله تعالى، ولا يخفى أنهم خالفوا العقل والنقل في هذا الباب، قال ـ تعالى ـ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1]. والمفهوم السياسي لهذه الآية واضح، خاصة وأن سبب نزولها كان في اختلاف الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في قسمة الغنائم، قال القرطبي ـ رحمه الله ـ: (أمر الله بالتقوى والإصلاح، أي: يكونون مجتمعين على أمر الله، وفي الدعاء: اللهم أصلح ذات البَيْن، أي: الحال التي يقع فيها الاجتماع) (2). وتدل الآية في معناها الآخر على أن الإصلاح السياسي - بالمعنى المعاصر - له عمق كبير في المجتمع؛ لأنه يؤدي إلى إصلاح طائفة كبيرة من الناس، وهذه هي وظيفة الأنبياء ـ عليهم السلام ـ التي أُرسلوا من أجلها بعد توحيد الله تعالى، قال شعيب ـ عليه السلام ـ لقومه، بعد أن كذبوه وجحدوا رسالته: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إنْ أُرِيدُ إلاَّ الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88]، قال ابن كثير في تفسير الإصلاح في هذه الآية: (أي: فيما آمركم وأنهاكم، إنما أريد إصلاحكم جهدي وطاقتي) (3)، وهذا الإصلاح لا يأتي إلا بتوحيد الله تعالى، والإقرار بألوهيته؛ لأنه الأصل العظيم الذي يجب أن يُبنى عليه كل شيء، وعليه تدور السياسة الشرعية في تأصيل العلاقة ما بين الراعي والرعية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير