[الحيل الفقهية]
ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[17 - 06 - 07, 05:38 م]ـ
[الحيل الفقهية]
محمد الفقيه
أكرم الله تعالى الإنسان بالعقل، فبه شُرّف وبه ساد على الأرض وتميز عن سائر المخلوقات فيها، مع أن بعضها يفوقه حجماً وقوة، لكن بعقله الذي وهبه الله تعالى إياه استطاع أن يكون هو الأقوى والمتمكن في أكثر مقدرات الأرض، ولا يقف أمامه عسير إلا واستخدم الحيلة في إزالته، ولا صعب إلا واستخدم الحيلة في الحصول عليه، على أن هذه القدرة العقلية ربما وجهت نحو الشر فاستخدم الحيلة فيما يضر به غيره، ويحقق به مصالحه الشخصية، والأدهى من ذلك لو حاول استخدام الحيلة في التلاعب بالشرع؛ فيبقي صورة الشرع على مظهرها بينما يتلاعب في المعنى؛ ليحصل على ما يريد من مطامع؛ فيحصل على الحرام في صورة الحلال؛ لذلك وردت آيات وأحاديث تحذر من هذا التلاعب، وتبين عقوبة صاحبه عند الله تعالى، كما أن علماء الإسلام وقفوا أمام هذه الحيل وعروها، وحذروا منها، وسنحاول في هذه المقالة الموجزة توضيح المقصود بالحيل وحكمها مع ذكر نماذج عليها.
1 - تعريف الحيل:
الحيل في اللغة: جمع حيلة وهي اسم من الاحتيال.
ومعناها الحذق، وجودة النظر، والقدرة على التصرف في الأمور والتخلص من المعضلات (1).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "ثم غلب عليها بالعرف استعمالها في سلوك الطرق الخفية التي يتوصل بها الرجل إلى حصول غرضه، بحيث لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة؛ فهذا أخص من موضوعها في أصل اللغة، وسواء كان المقصود أمراً جائزاً أو محرماً، وأخص من هذا استعمالها في التوصل إلى الغرض الممنوع منه شرعاً، أو عقلاً، أو عادة، فهذا هو الغالب عليها في عرف الناس؛ فإنهم يقولون: فلان من أرباب الحيل، ولا تعاملوه فإنه متحيل، وفلان يعلم الناس الحيل، وهذا من استعمال المطلق في بعض أنواعه كالدابة والحيوان وغيرهما" (2).
الحيلة في الاصطلاح:
قال الشاطبي رحمه الله: "حقيقتها المشهورة، تقديم عمل ظاهره الجواز لإبطال حكم شرعي، وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر".
عناية العلماء بموضوع الحيل:
اعتنى العلماء قديماً وحديثاً بموضوع الحيل؛ فمنهم من أفرد "الحيل" بمؤلف مستقل، ومنهم من جعله فصلاً أو باباً في تأليفه، وسنحاول استعراض بعضها:
1 - صحيح البخاري: أفرد الإمام البخاري كتاباً في صحيحه وترجم له باسم "كتاب الحيل".
2 - بيان الدليل على بطلان التحليل لشيخ الإسلام ابن تيمية وهو أوسع وأجمع ما كتب في الحيل، وقد يفهم من عنوانه أنه خاص بالكلام على بطلان التحليل، إلا أن ابن تيمية رحمه الله جعل هذه المسألة مدخلاً للكلام على الحيل، وربما اختارها لأنها أشهر الحيل.
3 - شفاء العليل في اختصار إبطال التحليل لمحمد بن علي البعلي وهو اختصار لبيان الدليل لشيخ الإسلام ابن تيمية.
4 - إعلام الموقعين عن رب العالمين للإمام ابن القيم، وقد أفرد في كتابه الفريد قسماً كبيراً في الكلام عن الحيل، ومعظم ما فيه مستجد من كلام شيخه ابن تيمية في بيان الدليل، لكنه تميز بمزيد ترتيب وتنسيق.
5 - الموافقات للإمام الشاطبي، أفرد قسماً من كتابه للكلام عن الحيل.
6 - كشف النقاب عن موقع الحيل من السنة والكتاب لمحمد عبدالوهاب بحيري، استعرض فيه أدلة الحيل من الكتاب والسنة.
7 - الحيل الفقهية في المعاملات المالية، لمحمد بن إبراهيم، والكتاب على قسمين: قسم تكلم فيه عن الحيل بوجه عام. وفصل فيه تفصيلاً جيداً. والقسم الثاني: تطبيقات للحيل في باب المعاملات. وهو من أحسن البحوث المعاصرة في الحيل.
8 - الحيل المحظور منها والمشروع، للدكتور- عبدالسلام دهني، وقد تكلم عن الحيل بوجه عام، وتطرق في بحثه للحيل في القوانين قديماً وحديثاً.
9 - الحيل الشرعية بين الحظر والإباحة، لنشوة العلواني، وجل الكتاب مأخوذ من كتاب محمد بن إبراهيم.
10 - الحيل وأحكامها في الشريعة الإسلامية، للدكتور- سعد بن غرير السلمي، وقد نشر ضمن مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد (39)، وفي المقابل هناك كتب جمعت الحيل والمخارج من المآزق التي يقع فيها الإنسان، وهذه الكتب كانت موضع نقد كبير من العلماء وقد وصلنا ثلاثة منها:
أ- المخارج في الحيل، للإمام محمد بن الحسن الشيباني الحنفي، وقد حصل خلاف في نسبة الكتاب لمحمد بن الحسن رحمه الله تعالى.
¥