[الإمام أبو حنيفة بين أهل الفقه وأهل الحديث]
ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[17 - 06 - 07, 06:09 م]ـ
[الإمام أبو حنيفة بين أهل الفقه وأهل الحديث]
سعد بن عبدالله السعدان
الناظر في سير علماء الملة، وأئمة الإسلام، يخرج بكمٍ هائل من الفوائد واللطائف، ويزداد معرفة وعلماً، فهم مدارس بأنفسهم، حياتهم تكتب بمداد من ذهب، دأبٌ عجيب في الطلب، وبذلٌ في التعليم والتصنيف والعطاء، وهمةٌ لا تنقطع، وصفات وأخلاق وتواضع يعجز المرءُ عن بيانها ووصفها، ولذا كانت كتابة السير والتراجم للأئمة الأخيار من ألطف وأنفع ما دون وكتب، وفي هذه الوقفة نستعرض علماً من أعلام الأمة وفقهاء الملة وهو الإمام أبو حنيفة النعمان يرحمه الله، وبالله التوفيق.
اسمه ونسبه:
هو النعمان بن ثابت بن زُوطى - بضم الزاي وفتح الطاء، التيمي، الكوفي، أبو حنيفة.
وقد أجمعت كتب التراجم على ذلك، ولم تختلف إلا مارواه الصيمري عن إسماعيل بن حماد حيث قال: أنا إسماعيل بن النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزبان (1).
وقد نقلها أصحاب التراجم عنه، كالخطيب في تاريخ بغداد (2)، والذهبي في السير (3)، وغيرهما.
قال ابن حجر الهيتمي: اختلفوا فيه، فقال أكثرهم وصححه المحققون أنه من العجم، وعليه ما أخرج الخطيب عن عمر بن حماد ولده أنه ابن ثابت بن زُوطي أي بضم الزاي كموسى، وبفتحها كسلمى، ابن ماه، من أهل كابل ... ملكه بنو تيم الله بن ثعلبه فأسلم فأعتقوه وولد ثابت على الإسلام (4).
وقد ورد تسمية جد أبي حنيفة بزوطي كمامر، وعليه أكثر من ترجم له والمرزبان في رواية، والنعمان في أخرى.
وقال اسماعيل باشا: نعمان بن ثابت ابن كاوس بن هرمز مرزبان بن مهرام (5)، وينسب أبي الخزاز وإنما قيل له ذلك، لأنه كان يبيع الخز، ويأكل منه طلباً للحلال، ونسبته إلى التيمي لأن جده كما قيل: أسر عند فتح العرب لبلاد فارس، واسترق لبعض بني تميم بن ثعلبه، ثم أعتق، فكان ولاؤه لهذه القبيلة، وكان هو تيمياً بهذا الولاء، أما نسبته بالكوفي فلأنه موطنه الذي ولد وعاش فيه.
ولادته:
ولد الإمام أبو حنيفة - رحمه الله - سنة ثمانين من الهجرة، وكان مولده في الكوفة، في خلافة عبدالملك بن مروان.
وقيل: إنه ولد سنة 63ه، وقيل: سنة 70ه والذي رجحه العلماء هو القول الأول، أي: أنه ولد سنة 80ه وهذا الذي ذكره ابن زبر الربعي (6).
نشأته وطلبه للعلم:
نشأ بالكوفة مكان ولادته وذلك في أسرة مسلمة، صالحة، غنية، كريمة، ويبدو أنه كان وحيد أبويه، وكان والده خزازاً، يبيع الأثواب في دكان له بالكوفة، وأخذ أبو حنيفة من والده هذه المهنة وخَلَفه بعد وفاته، وكان يتكسب منها، وكان مضرب المثل في الأمانة والصدق.
وقد وفق لحفظ القرآن في صغره، شأن أمثاله من ذوي النباهة، والصلاح، مع اشتغاله ببيع الخز مع والده، ويبدو أيضاً أنه لم يلتحق بسماع دروس العلماء وحضور حلقاتهم، ولم يطلب العلم في مجالسهم إلى أن وافق لقاء بينه وبين الشعبي، وكان ذلك فاتحة خير عظيم في حياة أبي حنيفة، قال أبو حنيفة: مررت يوماً على الشعبي وهو جالس فدعاني، وقال: إلى من تختلف؟ فقلت: أختلف إلى السوق، وسميت له أستاذي، فقال: لم أعن الاختلاف إلى السوق، عَنَيت الاختلاف إلى العلماء، فقلت له: أنا قليل الاختلاف إليهم، فقال لي: لا تفعل وعليك بالنظر في العلم ومجالسة العلماء، فإني أرى فيك يقظة وحركة، قال: فوقع في قلبي من قوله، فتركت الاختلاف إلى السوق، وأخذت في العلم فنفعني الله بقوله (7).
وقد اجتهد في الطلب ويبدو أن أول ما اتجه إليه علم النحو (8)، ثم علم الكلام، ومناقشة أهل الإلحاد والضلال، حتى بلغ فيه مبلغاً يشار إليه بالأصابع، ودخل البصرة أكثر من سبع عشرة مرة، يناقش ويجادل، ويرد الشبهات عن الشريعة، ويدفع عنها ما يريد أهل الضلال الإلصاق بها، وقد ناقش جهم بن صفوان حتى ألجمه وأسكته، وجادل الملاحدة، وناظر المعتزلة والخوارج فألزمهم الحجة، بل جادل غلاة الشيعة وأخرسهم.
¥