فِي إيجَابِهِمْ الزَّكَاةَ فِي أَثْمَانِهَا إذَا بِيعَتْ ثُمَّ اُتُّجِرَ بِهَا بِلاَ بُرْهَانٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الزَّكَاةَ فِيمَا يَنْمَى , فَدَعْوَى كَاذِبَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ ; لإِنَّ عُرُوضَ الْقُنْيَةِ تَنْمَى قِيمَتُهَا كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَلاَ فَرْقَ.
فَإِنْ قَالُوا: الْعُرُوض لِلتِّجَارَةِ فِيهَا النَّمَاءُ.
قلنا: وَفِيهَا أَيْضًا الْخَسَارَةُ ,
وَكَذَلِكَ الْحَمِيرُ تَنْمَى , وَلاَ زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَهُمْ , وَالْخَيْلُ تَنْمَى , وَلاَ زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ , وَالإِبِلُ الْعَوَامِلُ تَنْمَى، وَلاَ زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ , وَمَا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ يَنْمَى , وَلاَ زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيِّينَ , وَأَمْوَالُ الْعَبِيدِ تَنْمَى , وَلاَ زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ.
قال أبو محمد: وَأَقْوَالُهُمْ وَاضْطِرَابُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ قَالَتْ: تُزَكَّى عُرُوضُ التِّجَارَةِ مِنْ أَعْيَانِهَا.
وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ. وَطَائِفَةً قَالَتْ: بَلْ نُقَوِّمُهَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: نُقَوِّمُهَا بِالأَحْوَطِ لِلْمَسَاكِينِ.
وقال الشافعي: بَلْ رُبَّمَا اشْتَرَاهَا بِهِ ; فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى عَرَضًا بِعَرَضٍ قَوَّمَهُ بِمَا هُوَ الأَغْلَبُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ.
وقال مالك: مَنْ بَاعَ عَرْضًا بِعَرْضٍ أَبَدًا فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ إلاَّ حَتَّى يَبِيعَ وَلَوْ بِدِرْهَمٍ , فَإِذَا نَضَّ لَهُ وَلَوْ دِرْهَمٌ قَوَّمَ حِينَئِذٍ عُرُوضَهُ وَزَكَّاهَا. فَلَيْتَ شِعْرِي مَا شَأْنُ الدِّرْهَمِ هَاهُنَا , إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ. فَكَيْفَ إنْ لَمْ يَنِضَّ لَهُ إلاَّ نِصْفُ دِرْهَمٍ , أَوْ حَبَّةُ فِضَّةٍ , أَوْ فَلْسٌ ; كَيْفَ يَصْنَعُ.
وقال أبو حنيفة , وَالشَّافِعِيُّ: يُقَوِّمُ وَيُزَكِّي وَإِنْ لَمْ يَنِضَّ لَهُ دِرْهَمٌ.
وقال مالك: الْمُدِيرُ الَّذِي يَبِيعُ وَيَشْتَرِي يُقَوِّمُ كُلَّ سَنَةٍ وَيُزَكِّي ,
وَأَمَّا الْمُحْتَكِرُ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ وَلَوْ حَبَسَ عُرُوضَهُ سِنِينَ إلاَّ حَتَّى يَبِيعَ , فَإِذَا بَاعَ زَكَّى حِينَئِذٍ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا.
وقال أبو حنيفة , وَالشَّافِعِيُّ: كِلاَهُمَا سَوَاءٌ , يُقَوِّمَانِ كُلَّ سَنَةٍ وَيُزَكِّيَانِ.
حدثنا حمام، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ، حدثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: لاَ صَدَقَةَ فِي لُؤْلُؤٍ , وَلاَ فِي زَبَرْجَدٍ , وَلاَ يَاقُوتٍ , وَلاَ فُصُوصٍ، وَلاَ عَرَضٍ، وَلاَ شَيْءٍ لاَ يُدَارُ. فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُدَارُ فَفِيهِ الصَّدَقَةُ فِي ثَمَنِهِ حِين يُبَاعُ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِ مَنْ ذَكَرْنَا.
وقال الشافعي: لاَ يُضِيفُ الرِّبْحَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ إلاَّ الصَّيَارِفَةُ , وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا.
وقال أبو حنيفة ; وَمَالِكٌ ; بَلْ يُضِيفُ الرِّبْحَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يَرْبَحْهُ إلاَّ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكَانَ هَذَا أَيْضًا عَجَبًا. وَأَقْوَالُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيفَةٌ جِدًّا لاَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ أَصْلاً , وَأَكْثَرُ ذَلِكَ لاَ يُعْرَفُ لَهُ قَائِلٌ قَبْلَ مَنْ قَالَهُ مِنْهُمْ , وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ. فَلَيْتَ شِعْرِي هَلْ رَدَّ هَؤُلاَءِ هَذَا الاِخْتِلاَفَ إلَى كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلاَمِ رَسُولِهِ r . وَهَلْ وَجَدُوا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ نَصًّا أَوْ دَلِيلاً عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ. وَكُلُّهُمْ يَقُولُ: مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً لِلْقُنْيَةِ فَنَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا , فَإِنْ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ فَنَوَى بِهَا الْقُنْيَةَ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَنْهَا ; فَاحْتَاطُوا لاِِسْقَاطِ الزَّكَاةِ الَّتِي أَوْجَبُوهَا بِجَهْلِهِمْ. وَقَالُوا كُلُّهُمْ: مَنْ اشْتَرَى مَاشِيَةً لِلتِّجَارَةِ , أَوْ زَرَعَ لِلتِّجَارَةِ , فَإِنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ تَسْقُطُ وَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ ; وَكَانَ فِي هَذَا كِفَايَةٌ لَوْ أَنْصَفُوا أَنْفُسَهُمْ , وَلَوْ كَانَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ حَقًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَسْقَطَتْهَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ ; وَلَكِنَّ الْحَقَّ يَغْلِبُ الْبَاطِلَ.
فَإِنْ قَالُوا: لاَ تَجْتَمِعُ زَكَاتَانِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ.
قلنا: فَمَا الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ لَيْتَ شِعْرِي إذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَهُمَا جَمِيعًا أَوْ رَسُولُهُ r
¥