ـ[محمد جان التركماني]ــــــــ[13 - 08 - 07, 11:39 ص]ـ
هل يشرع له قضاؤه أم لا؟ والظاهر الثاني، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، فقد قال في " الاختيارات " (ص 65): " لا يقضي متعمد بلا عذر صوما ولا صلاة، ولا تصح منه، وما روي أن النبي (ص) أمر المجامع في رمضان بالقضاء ضعيف، لعدول البخاري ومسلم عنه ". وهو مذهب ابن حزم، و - رواه عن أبى بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وأبي هريرة، فراجع " المحلى " (6/ 180 - 185). لكن تعليل ابن تيمية ضعف حديث أمر المجامع في رمضان بالقضاء بعدول البخاري ومسلم عنه ليس بشئ عندي، فكم من حديث عدل الشيخان عنه وهو صحيح، والحق أنه ثابت صحيح بمجموع طرقه كما قال الحافظ ابن حجر، وأحدها صحيح مرسل كما كنت بينته في تعليقي على رسالة ابن تيمية في " الصيام " (ص 25 - 27)، ثم في " إرواء الغليل " (4/ 90 - 92)، فقضاء المجامع من تمام كفارته، فلا يلحق به غيره من المفطرين عمدا، ويبقى كلام الشيخ في غيره سليما. أما الصلاة فهو مختار المصنف أيضا تبعا لابن حزم، وقد كان نقل كلامه في ذلك ملخصا في " الصلاة " تبيل " الجمعة "، وكان يلزمه أن يختار مثله في الصوم، فإن دليل عدم القضاء فيه مثله في الصلاة، ولا سيما أنه مذهب ابن حزم أيضا، فقد قال: " برهان ذلك أن وجوب القضاء في تعمد القئ قد صح عن رسول الله (ص) كما ذكرنا قبل، ولم يأت في فساد الصوم بالتعمد للأكل أو الشرب أو الوطء نص / صفحة 426 / بإيجاب القضاه، لإنما افترض تعالى رمضان لا غيره على الصحيح المقيم العاقل البالغ، فإيجاب صيام غيره بدلا منه، إيجاب شرع لم يأذن الله تعالى به، فهو باطل، ولا فرق بين أن يوجب الله تعالى صوم شهر مسمى، فيقول قائل: إن صوم غيره ينوب عنه بغير نص وارد في ذلك، وبين من قال: إن الحج إلى غير مكة ينوب عن الحج إلى مكة، والصلاة إلى غير الكعبة، تنوب عن الصلاة إلى الكعبة، وهكذا في كل شئ، قال الله تعالى: * (تلك حدود الله فلا تعتدوها) *، وقال تعالى: * (ومن يتغد حدود الله فقد ظلم نفسه) * ". ثم شرع يرد على المخالفين قياسهم كل مفطر بعمد على المفطر بالقئ وعلى المجامع في رمضان. ثم روى مثل قوله عن الخلفاء الراشدين حاشا عثمان، وعن ابن مسعود وأبي هريرة. فراجعه. قلت: لكن المجامع في رمضان قد صح أنه أمره (ص) بالقضاء أيضا.
ـ[محمد جان التركماني]ــــــــ[13 - 08 - 07, 11:43 ص]ـ
عن أم هانىء ـ رضي الله عنها ـ:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب شراباً، فناولها لتشرب، فقالت: إني صائمة، ولكن كرهت أن أرد سؤرك، فقال: " إن كان قضاء من رمضان فاقضي يوماً مكانه، وإن كان تطوعاً فإن شئت فاقضي، وإن شئت فلا تقضي ".حسن. " الصحيحة " برقم (2802).
* فائدة:
إنما خرجت هذا اللفظ هنا للنظر فيما ذكره الشوكاني حوله من الفقه، فقد ذكر في " السيل الجرار " (2/ 151) عن صاحب " حدائق الأزهار " أنه قال فيمن يقضي ما عليه من الصيام فأفطر: أنه يأثم، فرد عليه الشوكاني بهذا الحديث، فقال: (وفيه دليل على جواز إفطار القاضي ويقضي يوماً مكانه، وإن كان فيه المقال
المتقدم، ولكن الدليل على من قال: إنه لا يجوز إفطار القاضي).
وأقول:
أولاً: ليس في الحديث ما ادعاه من الجواز، والأمر بالقضاء لا يستلزم جواز الإفطار فيه، كما لا يخفى ـ إن شاء الله ـ تعالى ـ، ألا ترى أنه لا يجوز الإفطار في رمضان بالجماع اتفاقاً، ومع ذلك أمر صلى الله عليه وسلم الذي أفطر به أن يقضي يوماً مكانه مع الكفارة، وهو ثابت بمجوع طرقه كما بينته في " صحيح أبي داود " (2073)، ولذلك قواه الحافظ وتبعه الشوكاني نفسه في " النيل " (4/ 184 ـ 185) وفي " السيل " (2/ 120 ـ 121)،
فأمْرُه صلى الله عليه وسلم بالقضاء لأم هانىء لو كانت أفطرت منه لا يعني جواز ما فعلت، فكيف وإفطارها كان من تطوع؟ ثانياً: أنها قالت في رواية للترمذي وغيره:
(إني أذنبت فاستغفر لي)، فقال: " وما ذاك؟ "، قالت: (كنت صائمة فأفطرتُ). فقال: " أمِنْ قضاء كنت تقضينه؟ "، قالت: (لا).
فإذا اعترفت بخطئها في ظنها لم يبق مجال لينكر عليها إفطارها ـ ولو كان من القضاء ـ ولم يبق إلا أن يبين لها وجوب إعادته، وهذا هو ما دل عليه الحديث.
وزاد أبو داود في رواية عَقِب ما تقدم:
" قال: فلا يضرك إن كان تطوعاً ".
ومفهومه أنه يضرها لو كان قضاء , وهذا واضح إن شاء الله.
ثالثاً: الدليل هو اعتبار الأصل، فكما لا يجوز إبطال الصيام في رمضان بدون عذر، فكذلك لا يجوز إفطار قضائه، ومن فرق فعليه الدليل.
رابعاً: لقد سلم الشوكاني في " النيل " (4/ 220) بصواب قول ابن المنير:
(ليس في تحريم الأكل في صوم النفل من غير عذر إلا الأدلة العامة كقوله ـ تعالى ـ: (ولا تبطلوا أعمالكم)، إلا أن الخاص يقدم على العام، كحديث سلمان. .).
إذا كان الأمر كذلك فتكون الآية بعمومها دليلاً واضحاً لنا عليه، لعدم وجود الدليل المخصص لها فيما نحن فيه. والله، سبحانه وتعالى ـ أعلم).
¥