تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أحوج ما يكون لقرابته كأبنائه وبناته يريد أن يشفع لهم بخروج من النار أو في عذاب استحقوه فلا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة والشهادة مرتبة شرف وكمال وهذا يدل على أنه ينبغي للمسلم أن يتحفظ من اللعن واللعنة إذا خرجت من الفم لا تعود، وإذا خرجت من اللسان إن كان الملعون كما ذكر أصابته، وأما إذا لم يكن كذلك رجعت للذي قالها-نسأل الله العافية والسلامة-.

أما الدليل على أنه لا يسب ولا يشتم: قوله-عليه الصلاة والسلام-: ((فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم)) والجهل أن يسب الناس لأنه فعل الجاهلية والجهل من الجاهلية، فمراده بأن لا يجهل أي لا يقول قولاً فيه جهل كالغيبة والشتم، والصخبُ رفع الصوت، فهذه السُّنة تدل على أنه ينبغي أن يتحفظ فإذا استفزه الغير وحركه للانتقام ذكّر نفسه بالصيام فقال: ((إني صائم)) أي نطق فقال: ((إني صائم)) فذكّر أخاه المسلم أن يتقي الله فيه وأن لا يجمع له بين ذنبين بين كونه يسبه وينتقصه ويحركه لإفساد صومه ويقول بذلك ويسمعه هذا، وكذلك - أيضاً - يقول له: إني صائم حتى يذكّره بتقوى الله-عز وجل- خاصةً إذا كان صائماً مثله.

قوله [وسُن لمن شتم أن يقول إني صائم]: إذا وقع السباب والمخاصمة بين اثنين فهناك سنن تتعلق بالذي شتم وسُب وسنن تتعلق بالذي يتكلم ويَشْتِم فالأصل ينبغي أن الإنسان لا يشتم الناس كما ذكرنا، وإذا كان صائماً فإن الأمر في حقه أشد فإن تعدى وشتم سن للذي يُشتم أن يقول: إني صائم إني صائم بعد أن بين لنا أنه يحرم على الإنسان أن يسب الغير ويشتمه في حال الصيام ويصخب ويجهل، شرع في بيان ما ينبغي على من خوطب بالجهل فسُب أو شتم أو انتهك عرضه أن يقول بلسانه (إني صائم إني صائم) لقوله-عليه الصلاة والسلام-: ((فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم)) والصحيح أن يقول ذلك بلسانه ويُسمعها للشخص، وقيل: يقولها في نفسه وهذا ضعيف؛ لأن الأصل حمل اللفظ على الحقيقة حتى يدل الدليل على غيرها.

وقوله [فليقل]: القول هو اللفظ، والكلام النفسي الذي في داخل الإنسان ليس بلفظ لأنه لم يلفظه وقد قال -تعالى-: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} فوصف القول بأنه يُلفظ، وقد قال-عليه الصلاة والسلام-: ((فليقل)) معناه فليلفظ هذا اللفظ فيقول: ((إني صائم إني صائم)) فإذا قال في نفسه إني صائم فمعنى ذلك أنه لم يلفظ وحينئذٍ لم يقل فلا يعتبر مصيباً للسُّنة من هذا الوجه.

قوله [وتأخير سحور]: أي وسن له أن يؤخر السحور، والسحور فعول من السحر، والسحر آخر الليل قبل الفجر بساعة، تزيد أو تنقص على حسب طول الليل وقصره في الشتاء والصيف، والسحر هو السدس الأخير من الليل، فتقسم الليل على ثلاثة أجزاء ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ثم بعد ذلك تأخذ نصف الجزء الأخير وهو السدس، هذا السدس هو السحر الذي انتهى إليه وتره-عليه الصلاة والسلام- كما قالت أم المؤمنين عائشة كما في الصحيحين: " من كل الليل قد أوتر رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من أوله وأوسطه وانتهى وتره إلى السحر " فهو أفضل الأوقات لذكر الله-عز وجل- كما قال-تعالى-: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} سُمي السحور سحوراً لوقوعه في هذا الوقت، والعرب تسمي الشيء بزمانه كما سميت صلاة الضحى لأنها تقع في الضحى، وعيد الأضحى لأن الأضحية تذبح في الضحى في أول النهار، فالمقصود أنه سمي السحور سحوراً بهذا والسحور فعل الأكل في وقت السحر سواءً كان كثيراً أو قليلاً فمن أكل تمرة واحدة فقد تسحر؛ لأن النبي-عليه الصلاة والسلام- ذكر هذا فقال: ((ولو بتمرة)) فهو إذا أكل في السحور ولو تمرة واحدة فقد تسحر والأفضل أن يؤخر الأكل إلى هذا الوقت لأنه إذا أخر الأكل إلى هذا الوقت قويت نفسه على العبادات وعلى الطاعات؛ ولأنه يخالف اليهود والنصارى في شريعة من قبلنا لأنهم كانوا لا يأكلون إذا استيقظوا من نومهم وإنما يمسكون لأنه كان في شريعتهم إذا نام حرُمَ عليه الأكل إلى اليوم الثاني، ولذلك قال-عليه الصلاة والسلام-: ((فرق ما بيننا وبينهم طعمة السحر)) فهو يطعم ولو تمرة حتى يخالف اليهود وحينئذٍ تكون فضيلة وقربة لله-عز وجل-.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير