تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

رطباً فإن لين الاستواء يقابل خشونة ما فيه من البلح فيعتدلا ويكون نزوله إلى الأمعاء برفق، هذا يذكره بعض العلماء في الطب النبوي، وبعده التمر فإن التمر ينساب أكثر من الرطب، والشيء إذا جاء على رفقٍ للبدن صلح وانتفع به البدن، يقولون: فإذا انساب برفق انتفعت به الأمعاء فامتصته الأمعاء قبل وصوله ويكون هذا أكثر وأبلغ في الرفق بالبدن، فجاءت الشريعة بطب الأرواح وطب الأبدان، فكان هديه-عليه الصلاة والسلام- أن يبدأ بالرطب ثم التمر ثم الماء وكرهوا أن يفطر على شيء فيه نار، وفيه حديث تكلم العلماء على سنده والأطباء يؤكدون أنه لا يستقيم؛ لأن الجوف حار بسبب الصيام فإذا شرب الحار فإنه لا يكون مما يحمد للبدن، وكان بعض الأطباء القدماء يذكرون هذا وأشار إليه بعض الأئمة-رحمة الله عليهم- في شرح حديث أنس-رضي الله عنه- وبين السبب في كونه-عليه الصلاة والسلام- يفطر على هذا الوجه، فلا يستحبون الفطر بما فيه نار أو الأشياء الحارة لأنه لا يأمن منها الضرر على نفسه.

قوله [فإن عدم فتمر فإن عدم فماء وقول ما ورد]: أي يسن أن يقول ما ورد ((ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله)) وأما حديث: ((اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا)) فهو حديث ضعيف، وإنما يدعو الإنسان بما تيسر وليس في ذلك توقيت ولكن الهدي على أنه إذا انتهى الإنسان من العبادة يُرجى له القبول، ولذلك إذا انتهى من الصلاة قبل أن يُسلم شرع له الدعاء، قال-عليه الصلاة والسلام-: ((ثم ليتخير من المسألة ما شاء)) وَجُعِل هذا الموضع من موضع مظان الإجابة كما قال-عليه الصلاة والسلام- لما سئل عن مواضع الإجابة أي الدعاء أسمع قال: ((وأدبار الصلوات المكتوبات)) قيل أدبار الصلوات المكتوبات يعني عند آخر الصلاة فهذا من مواضع الإجابة، وبعد الصلاة الزكاة، ولذلك وقال-تعالى-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} فإذا أدى الزكاة دعا النبي- صلى الله عليه وسلم - لمن أداها كأنه كلما انتهى من الفريضة وقام بحق الله كأن الله-سبحانه وتعالى- يرحمه ويكون ذلك عاجل المكافأة له في الدنيا وفي الصيام إذا انتهى من صيامه رجي له القبول، وفي الحج تجده إذا انتهى من موقفه بعرفة وأصبح في يوم العيد كان صبحه الذي هو تمام عشية عرفة يصلي صلاة الصبح ثم يقف-عليه الصلاة والسلام- بالمشعر وكان دعاؤه، قال بعض السلف: شهدت هذا الموضع ستين عاماً أسأل الله أن لا يجعله آخر العهد به فيردني الله إليه وإني لأستحي أن أسأله فرجع فمات من عامه، وكذلك أثر عن الثوري-رحمه الله-، فالمقصود أنهم يقولون: إن انتهاء الإنسان من الطاعة والقربة مظنة الإجابة، ولذلك يقولون في الصيام: إذا انتهى من أداء صيامه يدعو وليس فيه توقيت أي ليس هناك لفظ معين يُحد به وإنما يدعو بما تيسر.

قوله [ويستحب القضاء متتابعاً]: ويستحب أن يقضي رمضان متتابعاً هذا الاستحباب لما فيه من براءة الإنسان في ذمته وأدائه لحق الله-عز وجل- فإنه لا يأمن الموت، ووجه الاستحباب أنه بادر لأداء حق الله-عز وجل-، وما تقرب عبد إلى الله بشيء أحب إليه مما افترض فكونه يترك التأخير ويبادر بالتقديم فهذا أفضل وأكمل، ولذلك قالوا باستحباب أن يكون القضاء متتابعاً؛ لأنه إذا ابتدأ بعد انتهاء أيام العيد وابتدأ بقضاء رمضان في اليوم الأول وأفطر بعده في اليوم الثاني فقد تأخر عن إبراء ذمته فكان خلاف الأفضل، والأفضل والأكمل أن يبادر، وأن يكون قضاؤه متتابعاً، ولكن ليس بلازم، فلو قضى رمضان متفرقاً أجزأه لأن الله-عز وجل- قال: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وبالإجماع على أن المراد بها أي أيام ما دام أنها تصح للقضاء، فيستوي في ذلك أن تقع مرتبه أو تقع مع وجود الفاصل بالفطر.

لكن هنا مسألة: وهي أن البعض ربما يؤخر قضاء رمضان إلى أوقات يكون القضاء فيها أخف كأن يؤخر إلى أيام الشتاء يطول ليلها ويقصر نهارها فيكون تأذيه بضرر الصيام والعطش أقل وأخف، قالوا: يفوته الأفضل والأكمل.

قوله [ولا يجوز إلى رمضان آخر من غير عذر]: أي لا يجوز أن يؤخر قضاء رمضان إلى دخول رمضان آخر من غير أن يوجد له عذر، أما لو وجد له عذر فإنه يجوز له ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير