قال ابن قدامة وغيره: (وقد فسرها بما قلنا سعيد ابن المسيب والحسن وابن سيرين وعبيدة وسعيد بن جبير والشعبي وسليمان التيمي وغيرهم).
وسبق بيان أقوالهم وتفسيرهم للآية عند نسبة هذا القول إليهم.
2 - وأما الجواب عن قولهم أن المراد بها التحمل واليمين فقد قال ابن مفلح: (وأيضاً لا يصح حملها على التحمل لأنه لا أمان فيه.
وحملها على اليمين غير مقبول لقوله تعالى: {ولا نكتم شهادة الله}، ولأنه عطف على ذوي العدل من المؤمنين وهما شاهدان).
3 - وأما الجواب عن قولهم بالنسخ فهو مردود حيث أن سورة المائدة محكمة لا نسخ فيها ويؤيده ما صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت _ فيما يرويه جبير بن نفير _ أنها قالت: هل تقرأ سورة المائدة؟ قلت: نعم، قالت: فإنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها حلالاً فأحلوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه.
ومن قال بعدم نسخها: عمرو بن شرحبيل، والحسن البصري رحمهما الله.
قال الزركشي الحنبلي: (وأبعد من هذه الأقوال من زعم نسخ الآية الكريمة إذ لا دليل على ذلك، مع أن السلف عملت عليه، ومن ثم أخذ أكثر السلف بظاهر الآية).
المبحث الخامس: (سبب الخلاف):
لهذا الخلاف سببان هما:
السبب الأول:
هل المراد بالآية الكريمة الواردة في الشهادة على الوصية في السفر الشهادة، كما هو ظاهر اللفظ القرآني، أم أن المراد بالشهادة في ها اليمين؟
فمن قال: إن المراد بها الشهادة قال بصحة إشهاد الكتابي على المسلم في هذه المسألة، واعتبر الآية مخصصة للأدلة الأخرى الدالة على عدم قبول شهادة الكافر.
ومن قال: إن المراد به اليمين قال: بعدم صحة شهادته في هذه الحالة اعتباراً للأصل، وهو عدم قبول شهادة الكافر، ولم ير الآية الكريمة دالة على التخصيص، لأنها ليست متعلقة بالشهادة.
وأما السبب الثاني:
فهو هل الآية الكريمة محكمة أو منسوخة؟
فمن قال: إنها محكمة قال بما تضمنته من إجازة شهادة الكتابي على المسلم في هذه الحالة خاصة.
ومن قال: إنها منسوخة بقي على الأصل، وهو عدم قبول شهادة الكافر على المسلم مطلقاً.
المبحث السادس: الترجيح:
الذي يترجح في نظري والعلم عند الله هو القول بقبول شهادة الكتابي على المسلم في الوصية في السفر خاصة، وذلك لما يأتي:
أولاً:
لصحة دلالة النقل والعقل على ذلك، كما قرره أصحاب القول الأول.
ثانياً:
أما استدلال القائلين بعدم قبولها فيجاب عنه بما يلي:
1 - أن الآية الكريمة الدالة على عدم جواز شهادة الكافر على المسلم عامة، وآية المائدة خاصة، ولا تعارض بين عام وخاص.
2 - وأما الحديث فيجاب عنه بأن عمومه مخصص بما ورد في الآية الكريمة، وحديث أبي موسى رضي الله عنه في قصة الرجل.
3 - وأما استدلالهم العقلي فيجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول:
لا نسلم صحة القياس والنظر.
أما القياس الأول فهو قياس مع الفارق لأن شهادة الكتابي على الوصية في السفر فيها ضرورة وحاجة بخلاف غيرها.
وأما القياس الثاني فهو قياس مع الفارق أيضاً لأن الكتابي يحلف بالأيمان المغلظة الأمر الذي يبعد معه كذبه، ويقوي جانب صدقه في شهادته، بخلاف شهادة الفاسق، فإن التهمة بالكذب فيه موجودة.
وأما النظر فيجاب عنه بأن شهادته وإن كانت ولاية خاصة فإن النص جاء بجوازها، فتكون مستثناة من الأدلة الدالة على منع تولية الكافر على المسلم.
الوجه الثاني:
إن سلمنا صحة القياس والنظر فنقول: هذا اجتهاد مع النص، ولا اجتهاد مع النص.
وبهذا كله يظهر رجحان القول بقبول شهادة الكتابي على المسلم في الوصية في السفر خاصة، والله أعلم.
الفصل الثالث
مسألة: [شهادة الذميين بعضهم عل بعض]
المبحث الأول: (مذاهب العلماء في المسألة):
اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين:
القول الأول:
تقبل شهادة الذميين بعضهم على بعض.
وعند أصحاب هذا القول تفصيل:
فمنهم من قال: إن الكفر كله ملة واحدة، فتُقبل شهادة اليهودي على النصراني، والنصراني على اليهودي، وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه.
[وروي عن شريح، وحماد، والبتّي، والنخعي، وعمر بن عبدالعزيز، وربيعة، والليث بن سعد، والشعبي، ونافع، والثوري، ووكيع].
¥