وحكاه بعض الحنابلة رواية عن الإمام أحمد كما نقله حنبل وابن حامد من أصحاب الإمام أحمد، ولكن الخلال خطّأ حنبلاً في نقله هذا، وكذلك صاحبه أبو بكر.
ومنهم من قال: تُقبل شهادة كل ملة بعضها على بعض، ولا تقبل شهادة يهودي على نصراني ولا نصراني على يهودي.
[وروي هذا عن بعض السلف كأبي عبيد، والحسن، وعطاء، والنخعي، والضحاك، وإسحاق، وقتادة، والحكم، والزهري، وأبو سلمة، وابن أبي ليلى، والشعبي].
القول الثاني:
لا تقبل شهادتهم سواء اختلفت مللهم أو اتحدت.
وهو مذهب الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وبه قال الإمام ابن حزم الظاهري.
المبحث الثاني: (نصوص الفقهاء في ذلك وآثار التابعين):
المطلب الأول: مذهب الحنفية وآثار التابعين (قبول شهادتهم):
قال الإمام القدوري في مختصره: (وتقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض، وإن اختلفت مللهم).
وقال الإمام السرخسي: (فيكون بعضهم _ أي الذميين _ أهلاً للشهادة في حق البعض).
وقال النسفي في كنز الدقائق: (وتقبل لأخيه، وعمه،وأبويه رضاعاً ..... والذمي على مثله).
وأذكر هنا آثار التابعين والسلف في قبول شهادتهم على بعضهم وإن اختلفت مللهم:
1 - عن عمر بن عبد العزيز: أنه أجاز شهادة مجوسي على يهودي أو نصراني.
2 - عن شريح: أنه كان يجيز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض.
3 - عن عامر الشعبي: أنه أجاز شهادة يهودي على نصراني أو نصراني على يهودي.
4 - سئل نافع عن شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض فقال: تجوز.
5 - سئل حماد عن ذلك فقال: أهل الشرك جميعاً تجوز شهادة بعضهم على بعض.
6 - قال سفيان: الإسلام ملة والشرك ملة تجوز شهادتهم بعضهم على بعض.
7 - قال وكيع: وكذلك نقول.
وهنا أذكر آثار التابعين والسلف في قبول شهادة أهل كل ملة على مثلهم فقط:
1 - قال الحسن: إذا اختلفت الملل لا تجوز شهادة بعضهم على بعض.
2 - قال عطاء: لا تجوز شهادة اليهودي على النصراني ولا النصراني على اليهودي، ولا ملة على غير ملتها إلا المسلمين.
3 - قال الشعبي: لا تجوز شهادة ملة على ملة إلا المسلمين.
4 - قال النخعي: لا تجوز شهادة أهل ملة إلا على أهل ملتها اليهودي على اليهودي والنصراني على النصراني.
5 - عن الضحاك: أنه كان لا يقبل شهادة أهل ملة على غيرهم.
6 - عن الحكم: أنه سئل عن شهادة اليهودي على النصراني والنصراني على اليهودي؟ فقال: لا تجوز شهادة أهل دين على أهل دين.
7 - قال أبو سلمة: لا تجوز شهادة ملة على ملة إلا المسلمين.
8 - قال وكيع: كان ابن أبي ليلى لا يجيز شهادة اليهودي على النصراني ولا النصراني على اليهودي.
المطلب الثاني: مذهب الجمهور (عدم قبول شهادتهم):
قال ابن الجلاب المالكي: (ولا تجوز شهادة النصارى ولا اليهود بعضهم على بعض).
وقال القرافي: (في الكتاب: يمنع شهادة الكافر على المسلم، أو الكافر من أهل ملتهم أو غيرها).
وقال القاضي عبد الوهاب: (شهادة أهل الذمة غير مقبولة على كل حال).
وقال الشيرازي: (ولا تقبل شهادة الكافر).
وقال الغزالي: (ولا تُقبل شهادة كافر لا على كافر ولا على مسلم).
وقال الإمام ابن قدامة: (مذهب أبي عبد الله أن شهادة أهل الكتاب لا تُقبل في شيء على مسلم ولا كافر غير ما ذكرنا _ أي الوصية في السفر_).
وقال ابن النجار الفتوحي: (فلا تقبل من كافر ولو على مثله غير رجلين كتابيين عند عدمٍ بوصية ميتٍ بسفر مسلم أو كافر).
المبحث الثالث: (الأدلة):
المطلب الأول: أدلة القول الأول: (مذهب الحنفية):
استدلوا بدليل الكتاب والسنة والعقل.
أما دليل الكتاب فما يلي:
1 - قوله تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك}.
وجه الدلالة من الآية: أن الله سبحانه أخبر أن منهم الأمين على مثل هذا القدر من المال، ولا ريب أن الشهادة تعتمد على صفة الأمانة.
2 - قوله تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض}.
وجه الدلالة من الآية: أن الله سبحانه أثبت لهم الولاية على بعضهم بعضاً، والولاية أعلى رتبة من الشهادة، وغاية الشهادة أن تشبه بها.
3 - قوله تعالى: {شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم}.
¥