ولاشك أن مقتضى العقل أن يكون الأمر بالعكس فيقال: إذا كانت السماء صحوا فيمكن أن يره ولا يراه الآخرون، حتى وإن كانت السماء صحوا فالناس يختلفون في قوة النظر بخلاف ما إذا كانت غيما فإنه يبعد أن يراه، كيف يراه من بين الناس؟
على كل حال هـ?ذا قول ذكرناه لأجل إتمام سياق الأقوال.
والصحيح أنه يعمل بشهادة الواحد ولو كان معه جماعة، لهذا الحديث.
5 - ومن فوائد الحديث أنه ينبغي للإنسان أن يتقدم بالحق ولو كان من أصغر الناس؛ لأن ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما كان صغير السن ومع ذلك تقدم وقال: إني رأيت الهلال، فصام النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ وأمر بصيامه، ولهذا لما وقع في قلبه حل اللغز الذي ألغز به النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ هاب أن يتكلم به؛ لأنه كان أصغر القوم؛ ولكنه أباه عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ تمنى أن يكون تكلم به، واللغز الذي أورده الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ على الصحابة: ((أن من الشجر شجرة مثلها مثل المؤمن)) فذهب الناس يتكلمون في شجر البوادي هي كذا هي كذا ولم يعرفوها، فوقع في نفس ابن عمر أنها النخلة لكنه لم يتكلم لصغر سنه، ثم قال الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((هي النخلة)).
6 - وفيه أيضا أن الحاكم هو الذي يوجه الأمر إلى? الناس بالصيام لقوله: (فَصَامَ, وَأَمَرَ اَلنَّاسَ بِصِيَامِهِ.) وهو كذلك؛ فإن هـ?ذه الأمور ترجع إلى? الحكّام وليست راجعة إلى? عامة الناس من شاء صام ومن شاء أفطر بشهادة غيره؛ ولكنها راجعة إلى? الحاكم الشرعي.
7 - وفيه أيضا أن من كان معلوم العدالة فإنه لا يناقش ولا يحقق معه؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أخبره ابن عمر أنه رآه صام وأمر الناس بالصيام بخلاف الحديث الثاني.
ويستفاد منه أيضا أنه لا تشترط الشهادة في رؤية الهلال؛ يعني لا يشترط أن يقول: أشهد. لأنه قال: (فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ) وقد يقال: بل فيه دليل على أن الخبر شهادة، لقوله تعالى: ?فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ? [البقرة:185]، وجعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن عمر بإخباره شاهدا، وقد مرّ علينا أن الإمام أحمد لما قيل له: إن يحيى بن معين أو علي بن المديني -نسيت- أقول: العشرة في الجنة ولكني لا أشهد قال: إذا قال فقد شهد.
ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[30 - 08 - 07, 09:38 م]ـ
[الحديث الخامس]
05 - وَعَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اَلْهِلالَ, فَقَالَ: ((أَتَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ?)) قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: ((أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اَللَّهِ?)) قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: ((فَأَذِّنْ فِي اَلنَّاسِ يَا بِلالُ أَنْ يَصُومُوا غَدًا))، رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ, وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَة, وَابْنُ حِبَّانَ وَرَجَّحَ النَّسَائِيُّ إِرْسَالَهُ.
[الفوائد]
1 - قبول شهادة الأعرابي، والأعرابي كما مر معنا هو ساكن البادية، وهو كذلك إذا ثبتت عدالته.
2 - وفيه أيضا وجوب التحري في مجهول الحال؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل هـ?ذا الأعرابي أتشهد أن لا إلـ?ه إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ قال: نعم. فأما من ظاهره العدالة فلا يبحث عنه؛ لكن لما كان الأعراب غالبهم لا يعرف الأحكام الشرعية سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هـ?ذا الأعرابي هل هو مسلم أو لا.
3 - وفيه أن الناس مؤتمنون على ديانتهم؛ لأنه لما قال: أتشهد أن لا إلـ?ه إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، لم يقل من يشهد لك، وبناءً عليه فإذا قيل للرجل صلِّ، فقال: قد صليت، ندعه هو ودينه، إلا إن قال: صليت في المسجد الفلاني وشهد أهل المسجد أنه لم يصلِّ، فحينئذ لا نقبل قوله. فإن قيل له: زك مالك. فقال: قد زكيت، فإنه يقبل وهو فيما بينه وبين الله. اللهم إلا إذا كان شاهد الحال يكذِّبه، كما لو كان غنيا كبيرا وعنده أموالا كثيرة وقال: إني زكيت، ونحن ما رأينا أحدا انتفع بزكاته، وزكاته لو أخرجت لكان لها أثر في المجتمع لقلته مثلا. فهـ?ذا قد نقول: بعدم قبول قوله؛ لأن شاهد الحال يكذبه، وشاهد الحال معتبر في الأحكام الشرعية، ألم يبلغكم قصة سليمان مع المرأتين حيث عمل بالقرينة، وكذلك الحاكم الذي حكم في قصة يوسف عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ حكم بالقرائن قال: ?إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27) ? [يوسف:26 - 27].
المهم أن صاحب المال الذي ادعى أنه أدى زكاته، نقول: إذا دلت القرينة على كذبه لم نقبل قوله، وإلا فإن الناس مؤتمنون على دينهم.
4 - وفي هـ?ذا الحديث أيضا من الفوائد دليل على أن (نعم) حرف جواب تغني عن إعادة السؤال؛ لأن الرجل لم يقل: نعم أشهد أن لا إلـ?ه إلا الله. ولهذا لو قيل للرجل أطلقت امرأتك؟ قال: نعم. تطلق ولو قيل له: أراجعت امرأتك؟ قال: نعم. رجعت إليه، ولو قيل للرجل: أزوجت فلانا فقال: نعم. فقال الثاني: قبلت، أو لو قيل للزوج أقبلت؟ قال: نعم. فإنه يقوم مقامه، لحكم النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ بإسلامه حين قال: نعم.
5 - ومن فوائد هـ?ذا الحديث أنه ينبغي إعلان دخول الشهر بين الناس، ولقوله: (فَأَذِّنْ فِي اَلنَّاسِ يَا بِلالُ أَنْ يَصُومُوا غَدًا).
6 - ومن فوائده أيضا أنه ينبغي أن تتخذ الوسيلة التي تكون أقرب إلى? تعميم الخبر، لقوله: (أَذِّنْ فِي اَلنَّاسِ) يعني أعلمهم، وعلى هـ?ذا فإعلان الناس خبر دخول الشهر بالأصوات أو بظهور الأنوار أو ما أشبه ذلك من الأمور المشروعة.
7 - ومن فوائده أيضا أنه ينبغي في الإعلانات اختيار الوسيلة التي تكون أبلغ في إيصال الخبر؛ لأن بلال رَضِيَ اللهُ عَنْهُ معروف بأنه قوي الصوت ولهذا أمره النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أن يقوم في الناس فيصوموا غدا.
¥