3 - وفيه أيضا دليل على جواز إنشاء نية صيام النفل من النهار، من أين يؤخذ؟ (فَإِنِّي إِذًا) لولا كلمة (إِذًا) لاحتمل أن يكون قد صام من قبل، لكن لما قال: (إِذًا) معناه أنه أنشأ الصوم من الآن، فيجوز أن ينوي النفل من أثناء النهار. وهـ?ذا في النفي المطلق، أما النفل المعين فإنه يصام كما يصام الفرض من أول النهار.
مسألة: ولكن إذا نوى من أثناء النهار فهل يكتب له أجر الصوم يوما كاملا أو يكتب له من نيته؟
في هـ?ذا قولان لأهل العلم:
فمنهم من قال: يكتب له أجر كامل؛ لأن الصوم شرعا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وإذا صححنا أن ذلك صوم، فإن من لازمه أن يثبت له أجره من طلوع الفجر إلى? غروب الشمس.
ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أنه ليس له أجر إلا من نيته، واستدل لذلك بقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) وهذا أول النهار لم ينو الصوم، فكيف يكتب له أجره مع أنه لم ينوه. وهـ?ذا أقرب إلى? الصواب.
ولكن يكون الفرق بينه وبين الفرض حينئذ أن الفرض لا يصح صوم بعض يوم وأما النفل فيصح.
هل يشترط أن لا يفعل مفطّرا في أول النهار أو لا؟
أما على قول من يقول: إنه يكتب له الصوم من طلوع الفجر، فاشتراط أن لا يفعل مفطرا قبل النية واضح جدا.
لكن على قول من يقول: إنّ النية من أثناء النهار والأجر يكون من النية، هـ?ذا محل إشكال؛ لكن مع ذلك حسب ما علمت من كلام أهل العلم أنه يشترط أن لا يكون فعل مفطرا قبل النية.
فلو فرضنا أن هـ?ذا الرّجل أفطر بعد طلوع الشمس، فطورا كاملا. قبل الظهر قال: نويت أن أصوم إلى? الليل هل يجزئ أم لا؟ لا يجزئ؛ لأن هـ?ذا ليس بصوم؛ لكن إن نواه صوما لغويا، لا بأس به؛ لكن غير مشروع إن نوى به التقرب إلى? الله فغير مشروع.
إذن يشترط أن لا يفعل منافيا للصوم من طلوع الفجر إلى? نيته، فإن فعل منافيا للصوم لم يصح الصوم، ولو من أثناء النهار.
تنبيه: وكأن الشارح رحمه الله يميل إلى? أنّ التطوع لا تصح نيته من أثناء اليوم، وتوهم رحمه الله حيث قال: إن في بعض سياق الحديث ((فلقد كنت صائما)) بدل قوله: (فَإِنِّي إِذًا صَائِمٌ)، وقال: إن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ كان صائما، وكان يريد أن يرى إن كان فيه شيء أكل وأفطر، إن كان ما فيه شيء استمر على صيامه، هكذا أوَّلَ الحديث.
أقول: الشارح يرى أن الصوم لا يصحّ في أثناء النهار ولو نفلا، ويقول: إن في بعض ألفاظ الحديث (فلقد كنت صائما) جعلها في المسألة الأولى بدل قوله: (فَإِنِّي إِذًا صَائِمٌ)؛ لكن هـ?ذا وهم؛ لأن صحيح مسلم ((قد كنت أصبحت صائما)) بدل قوله: ((فلقد أصبحت صائما)) فهي في المسألة الثانية لا في المسألة الأولى.
وعلى هـ?ذا فيكون تأويله الحديث تأويلا غير صحيح. الذي عنده الشرح يكتب عليه حاشية بأن هـ?ذه الجملة ليست في المسألة الأولى وهي نيته الصيام في أثناء اليوم؛ ولكنها في المسألة الثانية التي قال فيها: (أَرِينِيهِ, فَلَقَدْ ... ).
4 - ويستفاد من هـ?ذا الحديث مشروعية قبول الهدية، ولو كانت طعاما تؤخذ من (أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ) خلافا لبعض الناس الذين يترفّعون عن قبول الهدية إذا كانت طعاما، ولاسيما في وقتنا الحاضر لما أنعم الله على الناس صار الإنسان يستنكف إذا أهدي له هدية طعام؛ ولكن والله لسنا خيرا من بيوت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبلون هدية حتى وإن كانت طعاما، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((لو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت)).
5 - ومن فوائدها أيضا جواز أكل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهدية؛ لأنه أكل منها، أما الصدقة فلا تحل له عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ. ويدل على أن الصدقة لا تحل له، أنه لما دخل ذات يوم وجد البرمة على النار وفيها لحم، فطلب النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أن يأكل، فقالوا: ليس لدينا شيء. فقال: ألم أر البرمة على النار؟ -البرمة قدر من الفخار-، قالوا: ذاك لحم تصدق به على بريرة، قال: ((هو عليها صدقة ولنا هدية))، فأكل عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ.
إذن ففي هـ?ذا الحديث الأخير دليل على أن الصدقة حرام على النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ وأن ذلك أمر معلوم عندهم، وأما الهدية فله حلال.
¥