ولأن القاعدة عند عامة الفقهاء أن التحريم إذا كان عاما فإنه لا يبطل العبادة، بخلاف الخاص المحرم لخصوص العبادة يبطلها. وهـ?ذه قاعدة مرت علينا في قواعد ابن رجب على أن التحريم إذا كان عاما لا يختص بالعبادة فإنه لا يبطلها.
فمثلا الغيبة والنميمة والكذب والغش ... وما أشبه ذلك تحريمه عاما ما حرم لأجل الصوم، وإلا لو كان التحريم عاما صار لا يبطل الصوم، أما ما حرم من أجل الصوم فإنه يفسد الصوم، ولذلك لو أكل أو شرب فسد صومه؛ لأنه محرم لخصوص الصوم. وهـ?ذه قاعدة نافعة.
لو أن رجلا لبس عمامة من حرير، تبطل صلاته؟ لأن النهي عام، وهو آثم على كل حال.
ولو لبس ثوبا من حرير، تجزئ صلاته على خلاف فيها.
الذين قالوا: تجزئ قالوا لأن التحريم هنا عام في الصلاة وغيرها، فلا يبطلها.
والذين قالوا: إنها لا تجزئ ولا تصح قالوا: لأن التحريم متعلق بما هو شرط للعبادة وهو الستر، فصار وجوده كالعدم فأبطل الصلاة.
المهم أن هـ?ذه الأشياء التي ذكرها النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ تنافي الحكمة الشرعية؛ لكن لا تبطل الصوم؛ لأن تحريمها ليس خاصا به.
** ومن فوائد الحديث إثبات الحاجة لله؛ ولكن الحاجة إن أريد بها الاحتياج فهـ?ذا منفي عن الله عز وجل، لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: ?وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) ? [آل عمران:97]، فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غني عن كل أحد، وكل أحد لا يستغني عن الله.
أما إذا أريد بالحاجة الإرادة فهـ?ذه جائزة، فإن الله تَعَالى? بتشريع الصوم يريد من عباده أن يتجنبوا هـ?ذه الأشياء المحرمة.
ونظير ذلك، الأسف هل هو ثابت لله أو منهي عنه؟
إن أريد بالأسف الغضب فهو ثابت لله.
وإن أريد بالأسف الحزن على ما مضى فليس بثابت لله.
قال الله تعالى?: ?فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ? [الزخرف:55]، قال المفسرون: معناها أغضبونا، لما أغضبونا انتقمنا منهم، وليس معنى ?آسَفُونَا? ألحقوا بنا الأسف الندم والحزن على ما مضى لأن هـ?ذا أمر ممتنع في حق الله عز وجل.
قلت: **ومن فوائد الحديث إثبات الحاجة لله عز وجل؛ لكن هـ?ذه الحاجة يراد بها الإرادة.
**ومن فوائده أيضا إثبات الحكمة من الشرائع لقوله: (فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)؛ ولكن يريد الله منا أن ندع قول الزور والعمل به والجهل.
لو قال قائل: هل في الصيام فوائد غير تلك؟ قلنا: نعم فيه فوائد، ولنذكر منها ما تيسر:
منها معرفة الإنسان قدر نعمة الله عليه في تيسير الأكل والشرب، والنكاح أيضا إن كان متزوجا، وجه ذلك أن الإنسان لا يعرف قدر النعمة إلا إذا بضدها، كما قيل:
................................ وبضِدِّها تَتَبَيَّنُ الأَشْياءُ
فالإنسان الشبعان ما يعرف ألم الجوع، فإذا جاع وعطش عرف ألم الجوع وعرف قدر النعمة بالغنى.
**ومنها أن الإنسان يذكر أخاه الفقير الذي لا يقدر على الأكل والشرب، فيرحمه ويتصدق عليه.
**ومنها أيضا كفّ النفس عن الأشر والبطر؛ لأن الإنسان إذا فقد الأكل الشرب وضاق ألم الجوع والعطش فإن نفسه التي تعلو في غلوائها تهبط، وتعرف أنها في ضرورة إلى? ربها عز وجل فتنكسر حدة النفس.
**ومنها أيضا أنه يضيق مجاري الشيطان وهي مجاري الدم، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فإذا ضاقت المجاري عليه قل سلوكه لها.
**ومنها أيضا أنه يذيب الفضُلات التي في الجسم، فإن الجسم مع كثرة الأكل والشرب قد يكون فيه فضلات كثيرة متحجّرة ورواسب، فإذا صام فإن الجسم يضمر حتى تخرج هـ?ذه الفضلات والرواسب.
**ومنها أيضا أنه يحمل المرء على التقوى والعبادة، ولهذا نرى الناس في رمضان يكثرون العبادة أكثر منها في غير رمضان، فإنه يحملهم على التفرغ للعبادة وذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وقراءة القرآن.
أنها تساعد الشاب على تحمل الصبر على النكاح لقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ومن لم يستطع فعليه بالصوم))، قد تدخل في ضبط النفس ولكنها لا تذكر لأن الرسول نص عليها.
إتمام أنواع العبادة؛ لأن التكليف الذي كلّف الله به عباده إما بذل محبوب أو كف عن محبوب أو نوع من تعب البدن، بذل المحبوب كالزكاة، الكف عن المحبوب كالصيام، إجهاد النفس بالعمل كالصلاة والجهاد والحج .. وما أشبه ذلك.
¥